أمس لم يكن الشارع التونسي عاديّا، وأنت تتجوّل في شوارع العاصمة وربّما في سائر مناطق البلاد، تستشعرُ في الوجوه وجوما وحيرة وقلقا وربّما لو تتحدّث إلى أيّ مواطن لعبّر لك عن توجّسه وخيفته. الغموض ما يزال يُغيّم على الوضع السياسي والأمني، والتردّد والاضطراب الّذي بدا على الحكومة المؤقتة وربّما التسرّع الّذي طبع عددا من قراراتها إضافة إلى عدم إقناعها للرأي العام في تفسير معطيات الواقع وحقائق الملفات وحديث الوزير الأوّل وعدد من الوزراء الوقتيين بنوع من اللبس حول أشياء مُبهمة وغير مفهومة، هي كلّها أشياء زادت من اللخبطة والتداخل في صفاء الذهن وقدرة الناس على فهم تطوّر الأوضاع بشكل سلس وسليم. ومن الواضح أنّ الحكومة المؤقتة باتت غير فاهمة ومستوعبة بالشكل المطلوب والمرجوّ لما يُريدهُ الناس إلى درجة وكأنّ خندقا قد فصل تلك الحكومة عن الشعب، فحتى إذا ما استثنينا تركيبة الحكومة نفسها ولم تلق إجماعا من الناس فإنّ قرارات أخرى كانت أشبه ما يكون بالارتجال والهرولة ممّا أدخل المزيد من الفوضى على غرار تعيينات الولاة وأعضاء اللجان الوطنيّة الثلاث لتقصي حقائق الرشوة والمحسوبيّة وما جدّ من أحداث إبّان الثورة المباركة والإصلاح السياسي. الحكومة مُطالبة بتلقّي نبض الشارع بالسرعة المطلوبة ودون تلكّؤ أو تردّد حتّى لا تضطر لاحقا للتراجع والتعديل تحت الضغط الشعبي، فالوقت يمرّ مُسرعا وقيمتهُ في مثل هذه اللحظة لا تُقدّر بأيّ ثمن، والحكومة وكأنّها لم تفعل شيئا مع تواصل الاحتجاجات ومظاهر الفوضى، بل إنّ البعض من أعضاء الحكومة المؤقتة ما فتئوا «يُشعلون» بوعي أو من غير وعي نيران الغضب وهيجان الشارع على غرار تصرّفات وتصريحات وزيري الخارجيّة والتربية، الأوّل في ظهوره التلفزي المهزوز ومواقفه الغامضة والثاني في ما بات يُنعتُ بأنّه إدانة لرجالات التربية والتعليم، والاثنان لا يزالان على مواقفهما وفي منصبهما وكأنّه لا صدى للشارع في أجندة الحكومة. ما يطلبهُ الشارع، واضح وجليّ، يطلب الوضوح والتجلّي وكشف الحقائق كما هي دون لبس أو إخفاء أو مُداهنة والحديث بلغة غير خشبيّة ورسم طريق للثقة والتواصل الإيجابي مع الحكومة، وهي مطالب مشروعة فهذه الحكومة هي نتاج الثورة، أي أنّ الشعب هو الّذي فتح لها الطريق، ومن ثمّ على هذه الحكومة أن تكون في خدمة هذا الشعب خلال هذه الفترة الانتقالية، عليها أن تستمع إلى نبض الشارع عند كلّ قرار أو إجراء أو مُبادرة، تستمع إليه بوضوح ودقّة ودون تزييف أو استغفال أو استبلاه، فالشعب في أعلى درجات الوعي لواقعه كيف كان وكيف يُريدهُ أن يكون.