رغم موقعها الاستراتيجي كنقطة عبور ورغم ثقلها الديمغرافي والاقتصادي، فان معتمدية بوحجلة او ما يعرف ببلاد فرسان جلاص، من ولاية القيروان لم تحظ بأي فرصة تنموية ولم تجد حظها من المرافق الأساسية ولا من برامج التشغيل والتأهيل الاقتصادي والاجتماعي. بلاد ال 100 الف ساكن تتصدر قائمة المناطق الأشد فقرا والأكثر أمية والأشد تهميشا والأقل تمتعا بالبنية الأساسية والأقلّ فرصا للتشغيل والاحاطة الاجتماعية. ورغم مقدراتها الفلاحية وامتداد مساحتها الشاسعة كأكبر معتمديات الجهة ورغم ثرائها البيئي ودورها في الانتاج (الخضر والزياتين والحبوب والماشية) الا انها لا تتوفر على اية منشأة صناعية تذكر لاستيعاب طلبات الشغل. حيث لا يوجد اية مؤسسة صناعية او اقتصادية تشغل اكثر من عشرة افراد بينما تعرف الجهة بانها اكثر المعتمديات الريفية تعدادا لعدد العاطلين والمهمشين...وفي عدد المقاهي. حالمون لكنهم مهمّشون الشاب بسام السهيلي اشار الى ان نسبة البطالة كبيرة ولا تحصى بسبب انعدام المؤسسات الصناعية رغم توفر الفضاءات والاراضي المطلوبة. مؤكدا ان ادنى فرص الشغل لا تتوفر بما في ذلك اعمال الحظائر واشغال البناء. وبين ان شباب الجهة الذي يعاني من البطالة لا يجد سوى المقاهي لتحتضن احلامه. واشار الى انه اصبح يتمنى ان يشتغل ليوم واحد وقد تجاوز ال30 من عمره. مشددا على حقه في الشغل والكرامة وان يحلم بتكوين اسرة وان ينظر الى المستقبل بشكل افضل مثل سائر الشباب. وطالب المسؤولين ان يغيروا النظرة السلبية الى معتمدية بوحجلة وان يوجهوا جهودهم الى تنمية الجهة وتجاوز مخلفات التهميش والاقصاء الذي انتهجه النظام السابق والذي اثر بشكل كبير على واقع واحلام الشباب الذي وجد نفسه متورطا في عدة «مشاكل» بسبب ظروفه الصعبة وكثرة مشاغل الجهة. مستقبل غامض «نريد ان نعمل وهذا مطلبنا الوحيد، لقد سئمنا البطالة ومللنا الجلوس في المقاهي»، يضيف احد الشبان مؤكدا ان عدد العاطلين من غير اصحاب الشهائد العليا لا يوصف. مبينا ان نسبة كبيرة من الشبان ينقطعون عن الدراسة في سن مبكرة. كما بين ان بعض الشبان تمكنوا من اتقان حرف وصنائع وهم في حاجة الى دعم لبعث مشاريع خاصة وفتح ورشات داعيا الى انشاء حي حرفي لدعم مشاريع المؤسسات الصغرى. واشار احد هؤلاء انه رغم تجاوزه ال 30 من العمر فانه لا يزال «يطلب» ثمن القهوة من والده المعوز ومن اصدقائه مؤكدا انه اضحى يخجل من «التسول» مطالبا بان يعيش بكرامة وان يشرع في بناء «مستقبله» وتكوين اسرة. ودعا شاب آخر الى مساعدة الشبان على بعث مشاريع استثمارية وانتشاله من الاجرام والتسكع الذي اصبحت معتمدية بوحجلة تعد احدى الجهات المشار اليها بالبنان من جراء التهميش وغياب التنمية والمقاربات العادلة. «شبابنا عاطل عن العمل وانا ابنة عائلة معوزة والمسؤولون طردوني هكذا تصرح احدى الفتيات. وهي بذلك تؤكد أن الشغل في بوحجلة لا يستأثر به الذكور فقط، فهي معضلة حققت المساواة بين الجنسين لكن بطريقة ظالمة ومجحفة في حق الشباب. وبينت ان عدم توفر اية مؤسسة صناعية يدفع بالفتيات الى العمل في ولايات مجاورة وهو ما ينجر عنه عدة مشاكل وصعوبات وهجرة. معاناة وغياب السند في بوحجلة من السهل ان تجد الاجابة عن أي سؤال خصوصا اذا تعلق الامر بحالات الفقر والخصاصة والاوضاع الاجتماعية المزرية. وهناك يتوفر كل شيئ سوى التنمية الشاملة والمستدامة التي ملأ النظام البائد اسماعنا بها. هنا تجتمع الاضداد الفقر والبطالة والاقصاء والتهميش والخصاصة والحرمان. في بوحجلة يصرخ الشاب من فرط البطالة. ويستغيث رب الاسرة من فرط الخصاصة وتستنجد العجوز من الحرمان والوحدة ويروي الشيخ فصول المهانة، وفي كل ذلك ينعت المسؤولون الذين ركبوا ظهور العباد واستعبدوهم، ينعتون بأبشع النعوت. أرملة لا تجد ما تنفقه في سبيل ابنائها سوى ما يجود به الجيران. لا علاج ولا تغطية اجتماعية ولا احاطة. المسكن هو عبارة عن كوخ صغير يجمع ثلاثة افراد يضم غرفة النوم والمطبخ والمرحاض. ورغم ان نداء استغاثتها كان عاليا، فان المسؤولين السابقين لم يسمعوا على ما يبدو او تغافلوا عن نداءات الاستغاثة. شيوخ وعجائز قالوا انهم كانوا موظفين لدى البلدية لكنهم كانوا يعملون دون مرتب ودون تغطية وانهم أصبحوا عاجزين عن العمل بشكل نهائي وتساءلوا عن حقهم في الاحاطة. لجنة «الكهول المعطلين» اذا كان مطلب الشبان في الشغل مشروعا، فان مطلب اولئك الكهول العاطلين قصة اخرى، لكنهم ببساطة اصحاب شهائد عليا وهم معطلون عن العمل. اكثر من 500 شاب عفوا فمعظمهم من الكهول. هم خريجوا الجامعة منذ اكثر من عقد لكن حقوقهم جمدت...ومرت الايام. هذا الامر اصبح محل تندر وطرفة. فاعضاء لجنة المعطلين عن العمل اصبحوا يطلبون حق التقاعد وليس حق الشغل. احد هؤلاء الكهول المعطلين عن العمل، فرح عبد اللاوي رئيس اللجنة المحلية للدفاع عن المعطلين، خريج كلية الحقوق، لكنه لم يجد حقه في الشغل ولم يسعفه الحظ ان يكون منشطا تلفزيا مثل غيره. تجاوز ال40 من العمر خريج سنة 1999. ثم تتواصل القائمة الى غيره من الشبان والكهول. ومنهم من تزوج بخريجة الجامعة ونقل اليها عدوى البطالة. لعل معتمدية بوحجلة هي اكثر الجهات احتفاظا بابنائها لمدة اطول تحت وطأة البطالة. ويرى احد المعطلين الكهول، ان السبب في نظره هو افتقار هذه الجهة الممتدة من الارياف والمهمشة، الى موارد التنمية وانعدام المؤسسات الصناعية رغم كثافة سكانها. ويؤكدون ان الجهة يتجاوز سكانها ال 120 الف ساكن بخلاف ما تروج له السلط الجهوية. وبين ان الجهة تشكو من التهميش والاقصاء وينعدم فيها موطن الشغل تماما كما ينعدم ماء الشرب ومورد الرزق. «التلفزة جات»... ربما هو العنوان الاقرب للحضور الكبير للمواطنين الذين تجمعوا حول فريق «الشروق» اثناء زيارتنا معتمدية بوحجلة. وفي الوقت الذي اشتكى فيه مواطنو الجهة من غياب التغطية الاعلامية واقصاء الجهة من التلفزة، كان اقبال المواطنين بمختلف فئاتهم على تقديم مشاغلهم، لا يوصف. وقد امتدت الصفوف واصبح بعضهم يهتف «التلفزة جات». غياب التلفزة عن المشهد الاجتماعي والتنموي بالجهة يجعل الصحفي في موقف محرج. لان الطلبات المعروضة اعظم من ان تقدر شاشة التلفزة على نقله، حتى وان كانت تلفزتنا الوطنية العظيمة التي لم تتحرر بعد ولم تتخلص من عقالها. هناك في معتمدية بوحجلة، يوجد اكثر من مشكل واكثر من مشاغل القدر وحده هو الذي شاء ان تواصل هذه المنطقة النضال والصراع مع البقاء. هناك لا يوجد فقط النقص في التنمية والعمل بل ان مياه الشرب تكاد تكون منعدمة. هناك المرض وتعدد الاعاقات وكثرة المعوقات، لكن لا احد يسمع لا احد يرى من هؤلاء او اولئك المسؤولين. كان من الممكن أن تكون معتمدية بوحجلة الاشد خصوبة في تونس، اكثر خصبا واكثر انتاجا من انتاج البطالة وان ترتفع فيها نسبة الامل وتنخفض نسب الامية والفقر والاجرام. ربما ستتغير الاحوال بعد تغيير ما يسمى بحي «7 نوفمبر» بالجهة باسم الشهيد «علاء الدين الثائري» وربما ستحقق الثورة لجهة بوحجلة ما تستحق وما يستأهله فرسان جلاص. ومازال في القلب حلم!