ماذا نعدّ للأجيال القادمة؟ قد تبدو الأيام متشابهة والحيرة متواصلة ومستمرة دون أن تبرز ملامح القضاء على الانفلات الأمني مما استوجب رجوع أغلب متساكني مختلف الأحياء إلى الحراسة لحماية ممتلكاتهم الخاصة والعمومية... لتبقى الأوضاع على حالها ويبقى الخوف من تلطيخ الثورة باللصوصية والنهب والتخريب وعدم الاطمئنان على الحاضر وأيضا على المستقبل المجهول والغامض وفي المقابل يتشدّق الجميع بما في ذلك المورطون في عهد الفساد والاستبداد بمبادئ الثورة التي مازال بعضهم لا يعرف حتى معناها ولا مواثيقها؟ الإعلام والقضاء... دعم ونقاء... من بين المكاسب التي من المفروض عدم التفريط فيها مهما كانت الظروف نجد مكسبي حرية الإعلام واستقلالية القضاء باعتبار أنّه وفي صورة حماية مبادئ هذين القطاعين الحساسين والمهمين جدا... يمكن التأكد الحقيقي من تأمين الاطمئنان وترسيخه بالشكل الذي يؤسس لمستقبل زاهر بشرط أن يكون الإعلام شفافا وحرّا ومحترما لمبادئ وأخلاقيات وشرف المهنة والقضاء متّسما بالصفاء والنقاء والعدل والاستقلالية التامة... لكل مرحلة رجالها... في فترة عهد الاستبداد والفساد... كان بعض الكتاب والشعراء مقربين من أصحاب النفوذ من السلط الوطنية والجهوية والمحلية مقابل إقصاء الآخرين من غير التجمعيين الذين لا يؤمنون إلا بالنص الإبداعي وبحرية الفكر وبالتالي فإن تلك الفترة الظالمة المتلبدة بعلاقات المصالح الضيقة والشخصية انقضت ومن المفروض أن ينسحب هؤلاء المقربون للنظام السابق ويتركون المجال لرجال المرحلة الجديدة.. مرحلة ما بعد ثورة 14 جانفي على أن يبقى النص الإبداعي هو الفيصل... تونس «ولاّدة»... بعضهم وعند استقالة هذا أو ذاك يعتقد أن الوضع سيتبعثر لمجرد خروج وزير أو تنحيته والحال أن تونس «ولاّدة» وكفاءاتها كثيرة ومتعددة في مختلف القطاعات والاختصاصات... غير أن الواجب يفرض دائما الاحترام المتبادل مقابل تأكيد المستقيلين على وطنيتهم وحرصهم على زرع بذور الخير في الوطن سواء كانوا بعيدين أو قريبين من الكراسي... لا للاتهامات المجانية الثورة لا تعني الفوضى ولا ديكتاتورية الشارع بقدر ما تعني المبادئ الراقية والدعوة للديمقراطية ولحكم الشعب لنفسه وتسيير دواليبه في كنف التشاور والديمقراطية وبالتالي فإن الاتهامات المجانية ودون حجج ولا براهين تبقى ثلبا والثلب في تونس أو في خارجها قبل وبعد الثورة يعاقب عليه القانون الذي يبقى الفيصل بين الناس ولا صوت يعلو على صوته فضلا عن أن الثلب يخلق الفتن التي تبقى أشد من القتل؟ بالعلم والتعليم... بقدر ما نتحدث عن قداسة الإعلام وحريته واستقلالية القضاء فإننا نؤمن بالتعليم والعلم والمعرفة وبالعمل باعتبار أنه وفي غياب هذا أو في تراجعه أو حتى في بقائه على حاله لا يمكن أن نمهد لسبل المستقبل غير الجهل والأمية والكسل وبالتالي الفشل والركود للمراحل القادمة... فلنوظف طاقاتنا جميعا للعلم والمعرفة والعمل دون تدجين ولا تنظير للسلبية والتدمير فالأجيال القادمة ولا شك ستحاسبنا ومن المفروض أن نعدّ لها ما يفيدها ويعمّر العقول والبلاد...