ترتكز المشاركة السياسية على حرية التنظيم في أحزاب سياسية وجمعيات مدنية تشارك وتؤثر في القرار السياسي، كما أن تكريس المشاركة يتطلب إعادة صياغة مفهوم الصالح العام بعدم اختزال التعبير عن الصالح العام L'intérêt général في الدولة والاعتراف بتعبيرات الصالح العام خارج الدولة كالصالح العام المهني professionnalisé L'intérêt général التي تعبّر عنه الهيئات المهنية Les ordres professionnels وتكريس مفهوم النفع العام أو الأساسي L'utilité publique ou essentielle الذي يتعدّى المضمون السياسي لفكرة الصالح العام ليشمل المضمون الاقتصادي والاجتماعي، وتجدر الملاحظة أنه لا يجب حصر المشاركة السياسية في الأحزاب التي أظهرت قصورها في تأطيرها للشباب أثناء الثورة، كما أن الانفجار الحزبي الذي ينتظر أن تشهده تونس ( وصلنا إلى حوالي 15 حزبا) قد لا يعبر حقيقة عن اتجاهات الرأي في تونس، ولعل الانتخابات قد تحدّ من هذا الانفجار ومن ناحية أخرى يجب الإعتراف صراحة صلب الدستور بحق الإضراب. 3- ملامح النظام السياسي المرتقب: لقد شهد النظام السياسي التونسي انحرافات عديدة جعلته يتحول من نظام رئاسي قائم على فصل السلطات والتوازن بين السلط إلى نظام رئاسوي يجمع السلط بين يدي رئيس الجمهورية زاده نظام الحزب الواحد تركيزا بضمان مجلس النواب مطيع يحدّ سلطاته مجلس مستشارين معين، لذلك اتجه تغيير هذا النظام في اتجاه تكريس حقيقي لمبدإ فصل السلطات ولتوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، كيف؟ اشتدّ اللغط هذه الأيام حول ضرورة إرساء نظام برلماني بدل النظام الرئاسي ولعل فكرة البرلمانية تمثل مطلبا تاريخيا للشعب التونسي منذ انتفاضة 9 أفريل 1938 التي طالبت ببرلمان تونسي، غير أن النظام البرلماني له من المساوئ وقد لا يناسب الوضع السياسي التونسي، فالنظام البرلماني يقوم على التوازن الإيجابي بين السلط أي رقابة البرلمان على الحكومة ورقابة الحكومة على البرلمان فالحكومة تشكل من الأغلبية البرلمانية وهي التي تمارس السلطة التنفيذية بينما يوجد رئيس الجمهورية يسود ولا يحكم، لكن النظام البرلماني الذي نشأ في أنقلترا إنما ينجح في ظل ثنائية حزبية بينما قد لا ينجح في ظل تعدّدية جزبية وعدم وجود حزب قادر على التعبئة وتشكيل الحكومة مما يجعل الأحزاب تلتجئ إلى الإئتلاف مما يعرض الحكومة إلى هزات بمجرد انحلال الائتلاف وفقدان الحزب المشكل للحكومة للأغلبية في البرلمان ولعل التجربة الإيطالية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي تمثل نموذجا لعدم استقرار النظام البرلماني فوسائل المراقبة التي بيد البرلمان كلائحة اللوم وسحب الثقة تمثل وسائل ضغط تهدد استقرار الحكومة خاصة عند الإفراط فيها رغم إرساء ما يسمى الترشيد البرلماني. لذلك فإنه من المتجه ارساء توازن بين السلطة التشريعية وداخل السلطة التنفيذية ذاتها من جهة أخرى دون التقيد بالنماذج التقليدية أي النموذج الرئاسي أو البرلماني لأن أي نموذج Modèle إنما يصاب بالانحراف إذا أخرج من محيطه الاجتماعي والثقافي الذي نشأ فيه، لذلك فإنه من الأصوب إرساء توازن داخل السلطة التنفيذية لخلق حكومة برأسين béciphalisme وذلك بمنح الحكومة صلب الدستور صلاحيات أصلية مستقلة عن صلاحيات رئيس الجمهورية ولا تكون الحكومة والوزراء مجرّد موظفين لدى رئيس الجمهورية فثنائية السلطة التنفيذية أثبتت نجاحها في فرنسا ومن ناحية يجب تكريس مسؤولية الحكومة أمام البرلمان إلى جانب مسؤولية رئيس الجمهورية وهو ما كان موجودا صلب دستور 1976 وتكون الحكومة منبثقة عن الأغلبية المشكلة لمجلس النواب. أما بالنسبة للسلطة التشريعية فيجب تعديل النظام الانتخابي وذلك باعتماد التمثيل النسبي على مستوى الدوائر لضمان التمثيلية داخل مجلس النواب ونرى ضرورة التخلي عن نظام القائمات وفتح الباب أمام الترشحات الفردية التي قد تضمن تمثيلية أكثر من الترشحات الحزبية. كما أن المحافظة على ثنائية السلطة التشريعية يبدو ضروريا فإلى جانب مجلس النواب الذي يمثل سيادة الشعب أي التمثيل الوطني فإن ما أفرزته الثورة هو ظهور مصالح تحت وطنية يجب التعبير عنها على المستوى الوطني وذلك عبر غرفة برلمانية ثانية تمثل الجهات حسب ثقلها الاقتصادي والبشري باعتماد المحاصصة الجهوية كما يجب أن تعبر هذه الغرفة عن المصالح المهنية والقطاعية وذلك بتمثيل نقابات الأعراف والعمال والفلاحين والهيئات المهنية كالمحامين والصيادلة والأطباء... ويتم ذلك بالانتخاب المباشر وحتى يكون هاجس التنمية الاقتصادية حاضرا يجب توزيع السلطات بين الغرفتين بطريقة تضمن انفراد مجلس الجهات والقطاعات بسن قانون الميزانية وإعداد مخطط التنمية في شكل قانون ملزم إلى جانب سلطة سن القوانين. وفي الختام هذه خواطر قد تصيب وقد تخطئ المهم أن تفتح بابا للحوار وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومن أجل ذلك فلتتفتح مائة زهرة. ٭ الأستاذ محمد الصالح غومة (محام وباحث في القانون العام والعلوم الإدارية)