ان انتهاج رؤية متبصرة تصل ما بين الثورة التونسية التي عنونها يوم 14 جانفي 2011 من جهة والنضالات والتضحيات الشعبية المتراكمة على مدى خمس وخمسين سنة من الاستقلال من جهة أخرى، ليفرض علينا استخلاص الدروس والعبر المشتركة. وإن هذه الثورة المجيدة التي أهداها الشباب لتونس في سنته الوطنية والدولية إنما اندلعت لتضع البلاد على سكة الاصلاح والديمقراطية والتنمية في إطار خريطة منهاجية تضمن السلامة للمجتمع. إن نجاح ثورة تونس في أهدافها بحاجة الى توفر شروط حيوية تتمثل في التشبث بالحرية والكرامة، تثبيتا للأمن والاستقرار والتفرغ للانتاج والابداع. كما ان النجاح يفرض دوام الحيطة والحذر من فخ التسيب والفوضى والأنانية والمطلبية الحينية حفاظا على ثوابت الثورة من الانفلات.. ومن المجمع عليه ان أهداف الثورة والمآلات المنتظرة منها لن تتحقق دون إرساء مؤسسات دستورية وإدارية منتخبة، مستقلة، متوازنة، مراقبة... ويصبح القانون فوق كل شيء بقطع الفساد والكسب غير المشروع وبتطبيق العدالة. كما يقتضي الأمر بارساء مجتمع سياسي ومدني ديمقراطي، مؤلف من أحزاب ومنظمات وجمعيات ذات مصداقية، ومن هياكل ممثلة ومؤطرة للسكان، ومجالس قروية ومحلية وجهوية ولمَ لا مجلس وطني لحماية الثورة مهمته المتابعة والتنسيق والدعم للحراك الوطني، دونما تسلط ولا احتكار. وهو مجلس يعمل وفق عقد سياسي اجتماعي متوافق عليه، استعدادا للاستحقاقات الوطنية وارساء للديمقراطية النزيهة بأسلوب حضاري تقدمي. ان مجتمع الوسط يمثل مطلبا متأصلا في شعبنا، مجتمعا يسوده الاعتدال والتكافؤ والقضاء على الفقر والحرمان والحاجة وذلك عبر مخططات وبرامج تنموية متوازنة تأخذ بالاعتبار المناطق الداخلية والحدودية وتعطيها الأولوية ضمن سياسة تشغيلية شاملة تسهم في تنمية الثروة على صعيد القطاعات وبما يستوجبه الأمر من الاصلاحات. إن المسؤولية تقتضي من أبناء الوطن إيمانا صادقا واستقامة ذاتية وأمانة شخصية ووطنية عالية ومعرفة ناضجة وخدمة للناس مع ضمان ترابط الاجيال واليقظة في إبقاء مصالح البلاد فوق كل اعتبار، بعيدا عن الأنانية والجهوية والفئوية الضيقة. هذه تونس التي كانت صاحبة المبادرة بفتح أبواب الانعتاق والكرامة مشرعة للأفق العربي والعالمي، الأمر الذي أكسبها نظرة عالية من قبل كل الشعوب والقوى المحبة للعدل والحرية. وإن اعتباراتنا الذاتية وكذلك المنزلة التي بلغناها على الصعيد الكوني لما يفرض علينا واجب المحافظة عليها حتى تظل تونس العزيزة الكريمة محل اعتراف ومصدر إلهام وموضع فخر وشرف على طول المدى.