عاجل: ''براكاج'' في البساج البارح...شنيا الحكاية؟    عاجل: اليوم آخر أجل لتسوية سيارات ''ن.ت''    جندوبة: رحلات مدرسية لتلاميذ المناطق الريفية    رفض الإفراج عن محمد فريخة وعبد الكريم الهاروني وتأجيل القضية إلى 19 جانفي    ابرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزير النقل..    هروب جماعي من مصحة لمعالجة الادمان..ما القصة..؟!    صفاقس: حجز أكثر من 100 خبزة مرطبات خلال حملات مراقبة    لحوم مُورّدة فاسدة في تونس والقضاء يتدخّل    حجز منتجات بحرية فاسدة بمطعم فاخر في سوسة: صاحبه ق يُواجه السجن    عاجل/ خلال لقائه وزير الفلاحة ومدير ديوان الزيت: رئيس الدولة يدعو للتصدي لهؤلاء..    العليمي يمهل القوات الإماراتية 24 ساعة لمغادرة اليمن    عاجل : وفاة أول امرأة تقود بنغلاديش خالدة ضياء عن 80 عاما    غارات وقصف مدفعي على مناطق مختلفة من غزة    ساعة ماسية تخطف الأنظار.. معصم رونالدو حمل ثروة في حفل دبي... التفاصيل    كأس أمم اقريقيا: شوف شكون ضدّ شكون اليوم ووقتاش    عاجل: التشكيلة المحتملة للمنتخب التونسي أمام تنزانيا    تونس تحتفل بكأس إفريقيا للأمم مع مبادرات TotalEnergies لتعزيز الإدماج والمشاركة    كأس أمم افريقيا (المغرب 2025): برنامج مباريات اليوم الثلاثاء..    طقس اليوم: أمطار متفرقة مع انخفاض في درجات الحرارة    حادث كارثي في رحلة بني مطير: إنزلاق أم خلل في فرامل الحافلة؟...أم الضحية تكشف التفاصيل    راس العام في الدار؟ هذي أفلامك باش تضحك وتفتح العام الجديد بالفرحة    حضور مميز لمندوبية التربية بجندوبة في احياء الخط العربي    ڤريب الشتاء: كيفاش تتعدى، قدّاش يدوم، ووقتاش يلزم تمشي للطبيب؟    كأس أمم إفريقيا.. ملامح الدور ال16 تتشكل بتأهل 14 منتخبا    سامي الطرابلسي: سنواجه تنزانيا من أجل الفوز وليس التعادل    ترامب: "حزب الله" يتعامل بشكل سيئ وسنرى ما ستسفر عنه جهود نزع سلاحه    «صاحبك راجل» في القاعات المغربية    رئيس الجمهوريّة :الفلاحة جزء من الأمن القومي التّونسي، والواجب الوطنّي المقدّس يقتضي تذليل كلّ الصّعوبات خصوصا أمام صغار الفلاّحين    QNB ينظم ورشة مالية لتلاميذ مدرسة الشاذلي خزندار الابتدائية بالزهراء    حفل زفاف تيك توكر شهير يتحول لمعركة في مصر    مهازل متواصلة في جامعة كرة القدم انتخابات الرابطة «المحترفة» في خبر كان    لغز «التسفير» يتواصل أمام الاستئناف    الضحية طبيب نفسي تونسي مشهور في فرنسا .. يقتل والده ويدفنه في حديقة المنزل    في أول ظهور له.. الناطق الجديد باسم "القسام" يوجه رسالة لأهالي غزة وينعى ثلة من قيادات الكتائب    طقس الليلة    "كان" المغرب 2025.. مصر تكتفي بالتعادل أمام أنغولا وتتصدر مجموعتها    الدورة 40 لمعرض تونس الدولي للكتاب: تواصل قبول الأعمال المرشحة لجوائز الإبداع الأدبي والفكري وجائزتي النشر إلى يوم 30 جانفي 2026    بقرار قضائي.. هيفاء وهبي تعود إلى الغناء في مصر    البنك الوطني للجينات: تركيز ثلاث مدارس حقلية بكل من ولايات سوسة وصفاقس وبنزرت    كيفاش تقرى fiche de paie متاعك؟    دواء معروف طلع ينقص الرغبة في التدخين والكحول... نتائج مفاجئة من دراسة جديدة    حوالي 40 بالمائة من المساحة المحترثة مخصصة للزياتين وتونس تساهم عالميا ب30 بالمائة من التمور    وزير التربية يعلن 2026 سنة مطالعة    رياض دغفوس : المتحوّر "K" المتفرّع عن فيروس H3N1 لا يشكّل خطورة أكبر من غيره ويجب الالتزام بالإجراءات الوقائية    مدرب تنزانيا :'' أنا فرحان برشا بالتجربة وبالأيامات اللي عديتها في تونس''    تتزعمها ستينية: تفاصيل تفكيك شبكة دعارة..#خبر_عاجل    إدمان قطرات الأنف؟...سرّ خطير علر صحتك لازم تعرفه    التسجيل مازال مفتوح: دورة فيفري 2026 للتكوين المهني تنتظركم    عاجل/ رئيس غرفة القصابين يفجرها ويكشف عن إخلالات خطيرة في شحنات لحوم مبرّدة تمّ توريدها مؤخّراً..    ديوان البحرية التجارية والموانىء ينتدب تونسيين    هام/ 6 مؤشرات أساسية لتطمئن على صحة قلبك..    مصنفان بالخطيران جدا ... "مونتيتي" و"الزبراط" في قبضة عدلية سيدي حسين    اتصالات ومهلة وزيارة سرية: "كواليس" تكشف لأول مرة عن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال..#خبر_عاجل    مع الشروق .. التاريخ يبدأ من هنا    استراحة الويكاند    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. الحبيب الجنحاني ل «الشروق»: بلا إعلام حرّ تتحوّل التعددية الحزبية إلى واجهة مزيّفة
نشر في الشروق يوم 08 - 03 - 2011

دكتور جامعي ومفكر عربي ومؤلف ودارس لقضايا الفكر المعاصر...
الدكتور الحبيب الجنحاني إلى جانب اختصاصه الأكاديمي حول التاريخ العربي الاسلامي أثرى المكتبة العربية بعديد المؤلفات خلال العشر سنوات الأخيرة التي عالج فيها قضايا المجتمع المدني والديمقراطية والحرية والمواطنة نذكر منها:
العولمة والفكر العربي المعاصر (2002).
المجتمع المدني والتحوّل الديمقراطي في الوطن العربي (2005).
دراسات في الفكر والسياسة (2006).
الحداثة والحرية (2007).
سيرة ذاتية وفكرية (2008).
سمر على ضفاف نهر السان (2009) وقبل شهور قليلة القيروان: التأسيس والازدهار (2010).
٭ عالجت في كتبك الصادرة في العشرية الأخيرة قضايا المجتمع المدني والديمقراطية والحرية والمواطنة.. وهي قضايا تزعج كل نظام استبدادي.. فكيف تعاطيت مع هذه القضايا وما مدى ضرورة التوقف عندها والعمل على إبرازها كمفاهيم لا مجال للتغاضي عنها عند كل عملية تحوّل ديمقراطي؟
كان هدفي الأساسي تنبيت مفاهيم أساسية وضرورية مثل المفاهيم التي وردت في السؤال تنبيتها في التربة التونسية والعربية بصفة عامة ذلك أنني أؤمن أن هذه المفاهيم تمثل خطوة ضرورية لكل تحوّل ديمقراطي.
طبعا إنني عالجتها في سياقها الفكري الكوني مؤكدا أنها أصبحت مفاهيم كونية خلافا لما يدعيه أنصار النظم السلطوية بأنها مفاهيم نشأت في المجتمع الغربي وهي لا تتلاءم مع التربة العربية الإسلامية، وهذا إدّعاء باطل للهروب من كل القضايا التي تلتقي فيها الشعوب العربية بمسيرة الانسانية الطويلة.
ونظرا إلى الرقابة الشديدة التي كانت تخضع لها في العهد السابق جميع النصوص سواء كانت في شكل كتب أو دراسات أو مقالات فإنني التجأت إلى توظيف التراث للتنديد بالنظم الاستبدادية.
وأذكر هنا على سبيل المثال ما ورد في الصفحة الأولى من كتابي «المجتمع المدني والتحوّل الديمقراطي في الوطن العربي» استندت مثلا بابن أبي الضياف لما تحدث في كتابه «الاتحاف» عن مقاومة الأوروبيين لظلم السلطة قال: «قاتلوا من ظلمهم واستعبدهم واستطابوا طعم الموت حتى ظفروا بالحرية والعدل المؤسس على قاعدة قوية، راسخة معلومة حتى عند صبيانهم ومحترمة احترام الشرائع النبوية، لا يتساهلون في أدنى شيء منها لوقتنا هذا».
واستنجدت أيضا بخير الدين بما قال في كتابه «أقوم المسالك»: «إن الحرية هي منشأ سعة نطاق العرفان والتمدّد بالممالك الأوروباوية» واستنجدت أيضا بعبد الرحمان الكواكبي لما قال «المستبد عدوّ الحق، عدوّ الحرية، وقاتلهما والحق أبو البشر والحرية أمهم» كما استنجدت في المستوى العالمي بمقولة للفيلسوف الفرنسي سارتر في صراعه مع الجنرال ديغول لما قال «لا يمكن أن نتصوّر نظاما جمهوريا حقيقيا يتربع في قمته جنرال».
هذا في مستوى التنظير الفكري من خلال مؤلفاتي، أما في مستوى الممارسة العملية لنشر المفاهيم المذكورة آنفا فقد قمت في هذا الصدد بإسهام متواضع ضمن نشاطي في الندوات الفكرية وطنيا وعربيا وكذلك ضمن مؤسسات المجتمع المدني وكذلك ما أسهمت به في الصحافة العربية، فقد كتبت في الحياة اللندنية وجريدة «الزمان» ومجلة «الزمان» الصادرتين بلندن أيضا وبخاصة مجلة «العربي» كما قمت بتأسيس تيار الديمقراطيين العرب رفقة مجموعة من المثقفين العرب في مدينة عمان العاصمة الأردنية سنة 2006 متأسفا أن تأسيس هذا التيار لم يكن ممكنا في بلادي.
الزبانية رصدوا هذه الدراسات وكتبوا حولها التقارير ولكنني لم أمكنهم من ثغرة يستطيعون الدخول منها بسهولة.
مرة واحدة علمت من الناشر السوري أن دراستي عن المجتمع المدني الصادرة بدمشق سنة 2003 منع من عرضها في الجناح المخصص له بمعرض تونس الدولي للكتاب وبعد احتجاجه سمح له بعرضها في الأيام الأخيرة.
وربما كان لنشاطي ضمن منظمات عالمية مثل منتدى الفكر العربي الذي يرأسه ولي العهد الأردني السابق الحسن ابن طلال وكذلك عضويتي في جمعية أصدقاء «Le Monde Diplomatique» دور في وقوف الزبانية عند حدّ معيّن.
٭ لاحظت أنك وظفت التراث حتى في دراساتك الأكاديمية البحتة وأذكر كمثال على ذلك «القيروان.. التأسيس والازدهار» الصادر سنة 2010؟
صحيح، في هذه الدراسة استنجدت بالمقريزي تلميذ ابن خلدون لما ذكرت في الصفحة الأخيرة من الغلاف كيف ربط في كتابه الخطط بين كثرة الخوف من العسكرية والخراب الذي أصاب مصر منتصف القرن الخامس الهجري وقد أهديت هذه الدراسة إلى النخبة القيروانية وجاء في الاهداء: «إن جميع التجارب التاريخية قد برهنت أن القضاء على الحرية الفكرية يؤدي طال الزمن أو قصر إلى تدهور المدن والدول بل قل إلى تدهور مجتمعات بأسرها».
إني أعتقد أن النضال من أجل الحرية والديمقراطية له جبهتان:
جبهة فكرية تنظيرية وهي خطيرة الشأن وفي هذا الصدد كان لي مشروع ترجمة كتاب «أصول الاستبداد» للمفكرة الأمريكية من أصل ألماني «هانا آراند» وقد كتبته بعد أن عاشت مرحلة الاستبداد النازي شرعت في ترجمته للإسهام في فضح النظم الاستبدادية وجبهة الممارسة في الساحة اليومية وهي جبهة حاسمة ومكملة للجبهة الأولى، وهذه مناسبة لأحيي أبطال وبطلات ثورة تونس المجيدة الذين وقفوا في وجه الصنم الراحل ولقوا تعسّفا شديدا على حساب صحتهم وعملهم وأسرهم.
٭ بصفتك مؤرخا من ناحية واعتمادا على تجربتك السياسية والنقابية من جهة ثانية.. أسألك أستاذي الكريم الحبيب الجنحاني: كيف تستطيع النظم الاستبدادية وبخاصة في بلدان لها نخب سياسية وفكرية متنوعة ولها علاقة ثقافية بمجتمعات عريقة في المسار الديمقراطي مثل تونس.. أن تحكم قبضتها وأعني هنا طبعا النظم الاستبدادية وتطول مدتها؟
إن الإجابة عن هذا السؤال يحتاج في حقيقة الأمر إلى تحليل مطوّل والمقام لا يسمح بذلك وإنما أقول بإيجاز إن النظم الاستبدادية التي عرفها التاريخ المعاصر وأعني بالخصوص منذ بداية القرن العشرين حتى اليوم هي بالأساس صنفان:
نظم تعتمد على نظام الحزب الشمولي المتبني لإيديولوجية معيّنة وتدعمه أجهزة مخابراتية دقيقة التنظيم مثل النظام النازي أو النظم الستالينية في أوروبا الشرقية.
ونظم أخرى هي بالأساس بوليسية وتعتمد على نظام حزب شمولي له تاريخ طويل قسم من هذا التاريخ كان دفاعا عن استقلال البلد كما هو الوضع بالنسبة إلى تونس وفي الحالتين يكون هنالك مخطط يضبط ضمن خلية ضيقة ثم يتسع مع الزمن ومع إحكام القبضة الحديدية.
فأنت تذكر أن الناس استبشروا خيرا بما حدث يوم السابع من نوفمبر 1987 لأن النظام البورقيبي كان يحتضر وأصبحت بطانة السوء هي التي تحكم في الخفاء ورئيس الدولة عاجز عن مباشرة سلطته بكل وعي وكفاءة فالبلاد إذن كانت يومئذ مقبلة على المجهول.
وجاء أيضا البيان الذي أعلن عنه فجر ذلك اليوم مبشرا باحترام المواطن وبوعده بالحرية وتقرير مصيره.
بعد أيام قليلة عدت إلى الكتابة في قضايا سياسية وطنية في جريدة (العمل) أولا ثم في (الحرية) ثانيا فكان لي تعليق سياسي أسبوعيا وتوقفت عن الكتابة في ربيع 1989 لما زيّفت الانتخابات ثم بعد ذلك بقليل جُمّد الميثاق الوطني الذي أمضت عليه مختلف القوى الوطنية، جُمّد الميثاق وحبره لم يجف بعد.
فمن المفروض أن كل مدرك لقضايا السياسة وخلفياتها أن التعددية التي أعلن عنها يومئذ كانت احدى المسرحيات التي بدأ النظام القديم في اخراجها لإعطاء واجهة زائفة نحو الخارج وخاصة في اتجاه أوروبا والمزيد من إحكام القبضة في الداخل.
وأكبر دليل واضح أن النية لم تكن منذ البداية حسنة: فما هي قيمة السماح بإنشاء تعددية حزبية وفي نفس الوقت قمع وسائل الاعلام، فالتعددية الحزبية تصبح واجهة مزيّفة لا تعني شيئا دون إعلام حرّ.
٭ انطلاقا من هذا الموقف الذي أبرزته، هل يمكن مقارنة النظام التونسي السابق بنظم سلطوية أخرى شبيهة به؟
شاءت الصدف أن أعيش أيام الدراسة الجامعية ثماني سنوات وراء الستار الحديدي وفي بلد يعدّ من أشرس النظم الستالينية التي عرفتها أوروبا الشرقية يومئذ وأعني بذلك ألمانيا الشرقية، وقد تحدثت عن هذه التجربة في كتابي «سيرة ذاتية فكرية» الصادر عام 2008 وكنت ناشطا في الحركة الطلابية يومئذ وبهذه الصفة زرت بلدانا أخرى داخل بلدان أوروبا الشرقية وفي تلك المرحلة الشبابية وكنت متحمسا ومؤيدا للتيار اليساري الاشتراكي وبدأت قناعتي تهتز وحماستي تضعف لما شاهدته من أساليب القمع والتجسّس على كل كبيرة وصغيرة من حياة المواطن في تلك البلدان وبخاصة بعد زيارتي الثانية إلى موسكو سنة 1964.
أما في ألمانيا الشرقية فقد تبيّن من خلال نشر الوثائق والدراسات الصادرة بعد سقوط الجدار أن الحاكم الحقيقي في البلاد ليس الحزب وإنما هو جهاز المخابرات الشهير في العالم «ستاسي».
ذكرت هذا لأقول إنه عندي فكرة واضحة وملموسة عن الممارسات القمعية المشهورة في العالم والموجودة في تلك البلدان وعن الممارسات التي سلطت على المواطن التونسي.
٭ كيف استطاع من وجهة نظرك نظام بن علي احكام السيطرة على امتداد 23 سنة؟
اشتغل بن علي في هذا الصدد على مستويين:
المستوى الأول يعتمد على الجهاز الأمني السابق الذي بدأ يعدّه قبل السابع من نوفمبر ثم طوّره بعد بلوغ رئاسة الدولة ونوّع في أجهزته المختلفة، وهذه الأجهزة المختلفة يلتقي في نهايتها في القمّة فقط وهو أسلوب عرفته بلدان عربية أخرى أن جهازا ما لا يعرف ماذا يجري في الجهاز الآخر وكل جهاز يخاف من الجهاز الموازي.
المستوى الثاني هو الانتقال رويدا رويدا مع مرور الزمن بالتجمّع الدستوري الديمقراطي من حزب سياسي عريق وكان له دور أساسي في قيادة الحركة الوطنية وبناء الدولة المستقلة وعلى رأسه زعيم كبير من طينة الحبيب بورقيبة إلى جهاز أمني يلتقي مع الأجهزة الرسمية الأخرى وأقول في هذا الصدد إنني أعلم جيدا أكثر من حالة أن أعضاء في اللجان المركزية للأحزاب الشيوعية الستالينية انشقوا واستقالوا وأن المكاتب السياسية لبعض هذه الأحزاب قررت عزل الأمين العام للحزب ورئيس الدولة كما حدث في ألمانيا الشرقية ولم أسمع حسب علمي أن شخصا واحدا من الديوان السياسي أو من اللجنة المركزية للتجمع انشق واستقال وقد حدث هذا في المرحلة البورقيبية أكثر من مرة وهنا يستغرب المرء كيف لم يجرؤ أحد من أعضاء اللجنة المركزية للتجمع وكذلك من أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين أن يقدّم استقالته بعد أن بدأ القنّاصة يحصدون أرواح الشباب التونسي في ثورة 14 جانفي وحتى بعض الاستقالات النادرة جاءت بعد سقوط الهرم!!!
٭ وأنت تعرضت إلى التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حاد عن طريقه أستاذي الدكتور الحبيب الجنحاني أرى من الضروري التوقف عند القضية المعروضة على أنظار القضاء لحلّ هذا الهيكل الحزبي؟
أشرت إلى هذه القضية في مقال نشرته لي جريدة «الشروق» الغراء عالجت فيه قضايا متعددة منها قضية التجمع وعنونت لهذه الفقرة بالعنوان التالي «التجمع والطاعون الأسود» قلت في هذا النص «من سخرية التاريخ أن يصبح الحزب الذي قاد حركة التحرّر الوطني بزعامة الثعالبي وبورقيبة منبوذا مكروها وكأنه الجذام» ونصحت الشرفاء والصادقين ممن ناضلوا تحت راية الحزب الحر الدستوري التونسي أن يحملوا التجمّع إلى مثواه الأخير ويؤسسوا حزبا يعود إلى القيم النضالية النبيلة التي عرفها الحزب من 1920 إلى 1971.
٭ لماذا سنة 1971؟
1971 هي السنة التي التأم فيها مؤتمر الحزب بالمنستير كانت الفرصة الأخيرة لقيادة الحزب نفسه مرحلة الانتقال الديمقراطي ولما ضاعت هذه الفرصة، خسرنا أربعين سنة منها النصف تحت ظل نظام استبدادي شرس قمعي ليس له كثير من الأشباه.
٭ هل الاستبداد السياسي وقمع الحريات هو السبب في الاطاحة بالنظام السابق؟
لا شك أن إلجام الأصوات وقمع الحريات كان له دور بعيد المدى في سقوط النظام السابق ولكنني أذهب إلى الاعتقاد أن النظام التونسي البائد والنظام المصري وكذلك النظام الليبي وهي نظم تلتقي في اعتمادها على أجهزة القمع والكبت كان يمكن أن يمتد عمرها سنوات أخرى ولكن اقتران الاستبداد السياسي بظاهرة الفساد التي انتشرت بالخصوص في عشر السنوات الماضية هي القشة التي قصمت ظهر البعير وأشرح ذلك بإيجاز: لأن الحرية بجميع مظاهرها (حرية النشر وحرية التعبير) تهم بالأساس هذه المجتمعات النخب السياسية والفكرية وهي تأتي في درجة أخرى أقل أهمية في صفوف الشباب الذي تصدى بصدوره إلى الرصاص والذي جعل هذا الشباب ينتفض ويعرّض نفسه للموت هو تفشي قصص الفساد التي لم تصبح معروفة داخل النخب فحسب بل أصبح القاصي والداني يتحدث عنها وأصبحت حديث المجالس والبيوت، فماذا تترقب من شاب متخرج من الجامعة ومعطّل عن العمل ولا يجد ما يشرب به قهوة وما يشتري به الدواء لوالديه وهو يسمع أن شابا في عمره أصبح يصنّف من أثرى أغنياء العالم بعد أن ارتبط قبل سنوات قليلة عن طريق المصاهرة بقمة هرم الدولة؟
٭ على ذكر الثورة الليبية، نشرت يوم 17 جانفي 2011 رسالة مفتوحة موجهة إلى العقيد معمر القذافي تنبأت فيها بثورة الشعب الليبي؟
نعم... فقد شاءت الصدف أن أتابع الخطاب المتلفز للعقيد معمر القذافي الذي توجه به إلى الشعب التونسي بعد يوم أو يومين من هروب صديقه الوفي آخذ فيه الشعب التونسي وقال «كان من المفروض أن يتركوه ينهي فترته الرئاسية وأضاف ولمَ لا إلى آخر رمق من حياته!!؟».
وقد ظهر على العقيد الرعب أن تنتقل شرارة الثورة التونسية فحررت مباشرة الرسالة المفتوحة يوم 17 جانفي 2011 ونشرت في تونس والكويت ومما جاء فيها «هل خشيت أن ينتشر النموذج التونسي فيقترب من قلعتك، كن مطمئنا ونم ملء جفونك، فإن الشعب التونسي لا يرغب في تصدير ثورته، فالشعب الليبي الشقيق قادر على صنع ثورته بنفسه». وقد صنعها فعلا بعد أسابيع قليلة.
٭ كيف يبدو لك المستقبل؟
أصارحك القول هنا بأنني متفائل بأنه لا يمكن أن يأتي نظام آخر في المدى القريب أو المتوسط ويحكم بلادنا بقبضة حديدية ولكنني في نفس الوقت قلق لأن جميع تجارب البناء الديمقراطي التي عرفناها في المرحلة المعاصرة تبرهن أن المرحلة القادمة تحتاج إلى فكر سياسي عميق وإلى الوعي بدقة المرحلة ونحتاج بالأساس إلى اتفاق على أرضية مشتركة من أجل نجاح التجربة الجديدة مهما تنوعت رؤانا وتعددت تنظيماتنا.
٭ أجرى الحوار: عبد الرحمان الناصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.