لا يفوتك وأنت تتجول في شارع الحبيب بورقيبة وفي الأنهج الموازية له الوقوف على مجموعة من المهن الجديدة التي اكتسحت الشوارع بشكل ملفت للانتباه فانتعش تجارها وباتت الشوارع تعج بهم لا بل الأحياء والمدن... ونفس المشهد يحملك الى الوقوف على مجموعة من المحلات والمتاجر المغلقة... وبين هذا وذاك كان لثورة الحرية والكرامة التي اندلعت في 14 جانفي 2011 أثر كبير فهي التي ساهمت في انتعاش بعض المهن وتضرر البعض الآخر على حد تعبير مجموعة من التجار. الحدادة وعمال البناء وتجار الآجر والاسمنت وعاملو الطلاء ومحلات الأقراص الموسيقية وتجّار المواد المستوردة والسلع الموازية وغيرها من المهن الأخرى التي باتت تحتل السوق اليوم فبعد أن عمدت مجموعات من المنحرفين الى التهجم على بعض المحلات وتكسير الأبواب والواجهات استغلالا للوضع الذي تعيشه البلاد اليوم وهو ما دفع بأصحاب هذه المتاجر الى تصليح محلاتهم، فهناك من اقتصر على بناء ما هدّم فقط لكن هناك أيضا من خيّر بناء الأبواب بالآجر حتى لا يتم خلعها من جديد واختار البعض الآخر الحديد لتسييج محلاتهم... هذه الحركية أنعشت هذه المهن وشغّلت عددا من اليد العاملة المختصة في مثل هذه الأعمال التي كانت الى وقت قريب يعاني أصحابها من ضعف الطلب خاصة هؤلاء الذين يعملون في الحدادة وهو ما أكده أصحابها الذين صرّحوا ل«الشروق» أن هذه الأعمال موسمية لأنهم لا يملكون محلات خاصة بهم بل انهم يتنقلون تحت الطلب، نفس الشيء بالنسبة للعمال المختصين في الطلاء الذين أكدوا أن هذه المهنة لا تنتعش الا في فصل الصيف باعتبارهم عمال بسطاء وليسوا مقاولين حتى تصلهم المشاريع من يوم الى آخر حسب تصريح البعض منهم. ولعل من أكثر التجار الذين انتعشوا في هذه الفترة هم هؤلاء الذين يبيعون البضائع المستوردة من الصنف الثالث كمواد التجميل وهي التي تلاقي اقبالا كبيرا من الحرفاء الذين يعتقدون ان هذه البضائع من الماركات العالمية الباهظة الثمن فلا يمكنهم تفويت هذه الفرصة لاقتناء ما يريدون بأبخس الأثمان حسب اعتقادهم. انتصاب في كل مكان تجار هذه السلع انتصبوا في كل مكان في العاصمة وفي كل شارع فقد تتعثر في أكداسهم وأنت تتجوّل في المدينة حتى أن البعض استغل غلق بعض التجّار لمحلاتهم ممن تعرّضوا للنهب ووضعوا بضاعتهم أمام هذه المحلات محتمين بأبوابها المغلقة هؤلاء قالوا إن هذه فرصة ما دامت البلدية لم تقدم بعملياتها التمشيطية، مثل العادة واعتبروا ان انتصابهم في مثل هذه الأماكن يجلب لهم عددا كبيرا من الزبائن لأنهم في منطقة عبور على حد تعبيرهم. وفي نفس الشارع يجلب انتباهك طابور من الفتيات والشبان يقفون على محل لبيع أقراص غنائية يطلبون أغاني الثورة التي نفدت من ذاك المحل لكثرة الطلب عليها حسب روايتهم فالكل يريد الظفر بأغنية الثورة يستمع اليها في سيارته أو في منزله حسب أحد الحرفاء الذي أكد أن هذا الاقبال على مثل هذا النمط من الغناء يفسّر بتعطّش التونسي الى الأغنية الثورية التي كانت الى وقت قريب مفقودة في المحلات. مهن تضرّرت غير أن المشهد الآخر مغاير تماما محلات مغلقة ومتاجر اختارت تسييج أبوابها هؤلاء هم أصحاب المحلات والمتاجر الكبرى الذين تضرروا من الثورة فهناك من نهبت وهدّمت محلاتهم وهناك من خيّر غلق متجره خوفا عليه من النهب والسرقة... مقاهي شبه فارغة وأخرى مغلقة... مطاعم كانت تعج بالزبائن فقدت اليوم أغلبية زبائنها... فالخوف الذي سيطر على الناس جعلهم يسرعون الى بيوتهم بعد أوقات عملهم بدلا من زيارة محل تجاري أو الذهاب الى مقهى او مطعم. هذه المحلات وهذه المهن التجارية تضررت من الثورة حسب ما صرّح به أصحابها. ولعل الأيام القادمة سوف تشهد انتعاشة في جلّ المهن خاصة بعد ثورة الحرية والكرامة التي أنهت الدكتاتورية.