يعاني عشرات المواطنين القاطنين بحي ديار الخير بفوشانة من عدة مشاكل أولها عدم وضوح الرؤية القانونية للمساكن التي تأويهم منذ انطلاق الثورة التي تسبّبت لهم في مشاكل نفسية كبيرة وأهمها الخوف من المجهول وتردّد إشاعات مفادها أن القوة العامة ستخرجهم بالقوة من هذه المساكن التي استحوذوا عليها دون سند قانوني ولكن بوجود مبرّر اجتماعي قوي ألا وهو الحاجة الماسة لمنازل تقيهم من الشارع وتريحهم من عناء أسعار الكراء المشطة.. «الشروق» زارت هذا الحي وتحدثت الى عدد من سكانه لنقل مشاغلهم ومطالبهم. حي ديار الخير بفوشانة هو من الأحياء الجديدة مساحته حوالي 15 هكتارا بناه أحد الباعثين العقاريين بمشاركة عماد الطرابلسي تحت راية شركة عقارية اسمها ديار الخير ثم تغيّرت التسمية وأصبحت ديار جنات وذلك سنة 2000 وتحصل الباعث العقاري ووكيل الشركة على رخصة بناء هذا الحي في مدة وجيزة لم تتجاوز الشهر والسبب هو أن والده كان من ضمن أعضاء مجلس النواب في تلك الفترة. وتحصل على قرض من بنك الاسكان بقيمة 16.5 مليارا وشرع في بناء المشروع المتكون من 540 مسكنا شعبيا و240 شقة وأوكل عملية البناء الى أحد المقاولين وهو السيد علي الحاجي. وبعد أن أتمّ بناء 372 منزلا أوقف المشروع، ثم استدعي من جديد سنة 2002 لإتمام المشروع وشرع هذا الأخير في بناء 85 منزلا وفي الأثناء أعلمه الباعث العقاري أنه يواجه بعض الاشكالات المالية مع بنك الاسكان ولذلك لم يتحصل المقاول على جزء من مستحقاته المالية والكمبيالات والصكوك شاهدة على ذلك، ويقول السيد علي الحاجي الذي التقته «الشروق» انه في سنة 2004 وبعد حصول الباعث العقاري على اتفاق مع البنك دعاني الى القيام بأشغال التهيئة الأمامية لديار الخير وبعد تهيئة واجهات عدد قليل من المنازل أوقفت الأشغال مجدّدا بسبب تفاقم المشاكل المادية بين الباعث العقاري والمقاولين المختصين في (الدهن والكهرباء والماء..). مغادرة البلاد وفي سنة 2007 حسم الباعث العقاري أمره وقرّر مغادرة البلاد نحو فرنسا وترك حوالي ثلاثين شخصا ممن دفعوا له الأموال قصد شراء منازل يصارعون الأوهام والآلام واضطروا في النهاية الي السكن بهذه المنازل التي لم تتم تهيئتها وتزويدها بالماء والكهرباء وبشبكات التطهير والصرف الصحي. هؤلاء المواطنون يناشدون شركة الكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والديوان الوطني للتطهير بالاسراع في تمكينهم من التمتع بحقوقهم البسيطة وعدم تسديد فاتورة لم يكن لهم يد فيها لا من قريب ولا من بعيد وأن يتواصل تجاهلهم بهذه الطريقة الفظيعة التي سلبتهم بعض من كرامتهم الانسانية. وضع مزري أبواب مهشمة وحيطان متشقّقة نتيجة السرقة وانتزاع النحاس المخصص للتزود بالماء والكهرباء ونوافذ مكسورة لا تقي من الأمطار والهواء البارد.. أثاث بسيط وبعض الحشايا الموضوعة على الأرض.. فوانيس تقليدية وشموع لطرد الظلام والعتمة.. مطابخ لا تحتوي إلا على مواقد غاز بسيطة جدا و«كوانين» من الطين وبعض الحطب للتدفئة والاتقاء من موجة البرد التي تعيشها بلادنا في هذه الفترة.. هو كل ما تمتلكه جلّ العائلات الموجودة بهذا الحي (حي الخير) وأي خير هو.. هنا وبهذا الحي الذي لا يبعد إلا حوالي 13 كيلومترا عن العاصمة تعاني أكثر من 90 عائلة من مظاهر الفقر والتهميش ومن بين هذه العائلات نذكر عائلة وريدة الأهول وهي امرأة مطلقة وفي كفالتها 4 أبناء في سنّ الدراسة وليس لها مورد رزق قار. تقول السيدة وريدة انها أصبحت تعيش رعبا حقيقيا مع تزايد إشاعات إخراجها بالقوة من المنزل الذي احتمت به من الشارع بعد أن ضاقت بها السبل. وتضيف: رغم افتقار هذا المنزل الى أبسط المرافق الضرورية للحياة الكريمة إلا أنني متمسّكة به وأناشد وزارة الشؤون الاجتماعية ووالي بن عروس ومعتمد فوشانة بأن يجدوا لي حلا سريعا ينقذنا من هذا الخوف المدمر الذي نعيشه وأن يمنحونا بعض الاطمئنان حتى يستطيع أبنائي التركيز في الدراسة ومواصلتها. وضعية السيدة زكية بوقطفة الاجتماعية لا تختلف كثيرا عن جارتها وتقول بمرارة كبرى: أمنيتي الوحيدة هي أن يقع منحنا هذا المنزل فأنا وزوجي لا نملك من الدنيا سوى دخل بسيط لا يتعدى الخمس دنانير يوميا وتساءلت في حيرة هل سيكفي هذا المبلغ البسيط لإعالة عائلة تتكون من أربعة أفراد من بينهم رضيعة تحتاج الى الحليب والغذاء والحفاظات والملابس؟ حتما لا فنحن نعيش الخصاصة في أعمق تفاصيلها. وتضيف: أناشد وزارة الشؤون الاجتماعية لمنحنا بطاقة علاج مجاني لتخفف عنا أعباء الحياة ومساعدتنا على امتلاك هذا المسكن البسيط (غرفة + قاعة جلوس) حتى لا نجد الشارع في انتظارنا. السيدة يمينة والسيدة شهلة والسيد محمد والسيد بشير هم أيضا من سكان هذا الحي ووضعياتهم الاجتماعية متشابهة (فقر وخصاصة وتهميش) ومطالبهم أيضا موحدة وهو إيجاد حل قانوني لهذه المساكن الشعبية التي ليس لهم بديلا عنها. البحث عن حل أثناء الثورة وفي خضم الفوضى التي عاشتها تونس قام عدد من أصحاب المنازل بطرد العائلات التي تقطن لديهم على وجه الكراء خوفا من استحواذ هؤلاء على هذه المساكن عندها لم تجد حوالي 100 عائلة أو أكثر من حل سوى الاحتماء بديار الخير التي ظلّت لسنوات طويلة مقفلة. وقد أمدّنا عدد من سكان حي ديار الخير بعريضة وجّهوها سابقا الى السيد المدير العام لبنك الاسكان تحتوي على 95 إمضاء ونصّ هذه العريضة هو كالآتي: نحن المذكورين أسفله مواطنون تونسيون نتقدم إليكم بمطلبنا هذا راجين لفتة كريمة وعاجلة من جنابكم لأوضاعنا الاجتماعية والمعنوية فنحن كنا متسوغين منازل من مالكيها وإثر اندلاع ثورة الكرامة والحرية المجيدة وقع إخراجنا منها خوفا من الاستيلاء عليها فأصبحنا نحن وعائلاتنا مشرّدين دون مأوى فالتجأنا الى مساكن شعبية مهجورة منذ أكثر من عشر سنوات وجدنا فيها الملاذ الوحيد لإيواء عائلاتنا. واتضح في ما بعد أن هذه المساكن كانت أوكارا للمنحرفين واللصوص ولتعاطي المحرمات بشهادة أهل الحي المجاور، كما أن هذه المساكن في حالة رديئة ولا تتوفر فيها ضروريات العيش الكريم (لا ماء ولا إنارة ولا شبكات تطهير). سيدي المدير العام، نحن لم نستغل الظروف التي تمرّ بها بلادنا للاعتداء على أملاك الغير والتصرف فيها بغير وجه حق ولكننا التجأنا إليها للاحتماء من الشارع والتشرّد وطلبنا الوحيد الآن هو التدخل لفائدتنا وتمكيننا من اقتناء هذه المنازل بالطرق القانونية وبسعر مقبول يتماشى وحالاتنا الاجتماعية المتواضعة والبسيطة ولكم جزيل الشكر والامتنان. اقتراح السيد علي الحاجي المقاول الذي كلفه الباعث العقاري ببناء هذا الحي أفاد أنه مستعد لإتمام تهيئة هذه المساكن وتزويدها بجميع المرافق الضرورية إذا تمّ الاتفاق بينه وبين بنك الاسكان وذلك بتحرير وعود بيع في هذه المساكن ورهنها لدى البنك المذكور. وكذلك الاتفاق بينه وبين المتساكنين الجدد لحي ديار الخير على صيغة مناسبة وتراعي مصلحة جميع الأطراف.