الهاجس كان هاجسا وطنيا، بعد سقوط راس النظام ووجود عصابات موالية له تسعى الى بثّ الفوضى والرّعب بين المواطنين قرّرنا المشاركة في الحكومة في هذه الظروف التزاما بنداء الواجب لتجنّب الفراغ والفوضى والعمل على إعداد الاسس للانتقال الديمقراطي عبر القطع مع المنظومة السّابقة ودخلنا الحكومة على اساس مبادئ والتزامات واضحة وقع الاعلان عنها عند إعلان الوزير الاوّل السّابق عن تركيبة الحكومة وهي تتلخّص في القطيعة مع المنظومة السّابقة عبر الفصل بين الحزب الحاكم سابقا والدولة ورفع المظالم ومحو اثارها باطلاق الحريات واطلاق سراح المساجين السياسيين وسنّ العفو العام... كل هذا تحقّق في فترة وجيزة وفي نفس الوقت كان هناك هاجس الانتقال الديمقراطي والياته واقترحنا منذ اليوم الاوّل تشكيل هيئة للإصلاح السياسي كإطار لتنقيح القوانين وحذف كل القوانين الجائرة وسنّ قوانين قادرة على نقل البلاد الى مرحلة ديمقراطية عبر انتخابات شفّافة وهيئة عليا مستقلّة هذه القوانين يفترض ان تكون محل توافق بين كل القوى التي اقترحنا ان تكون في الهيئة العليا للإصلاح السياسي. بالإضافة الى القرارات المتعلّقة بالقطع مع المنظومة السّابقة وفتح باب حرية التعبير والتنظّم كان لي دور في وزارة التعليم العالي منذ اليوم الاوّل من تسلّمي مهمّتي الجديدة فعملت على تكريس مبادئ الثورة دون ان انتظر صدور القوانين واعلنت منذ اليوم الاول عن إلغاء الأمن الجامعي والتوجّه الى ان تكون الجامعة فضاء اكاديميا باحترام الحريات الاكاديمية عبر تكريس حرية واستقلالية الجامعة ومن اهم أسسها مبدإ الانتخاب في كل المستويات وتجميد نتائج انتخابات ممثلي الطلبة لانها عقدت في ظروف القمع والتزييف وفي نفس الوقت اعددنا رزنامة لانتخاب العمداء والمديرين ورؤساء الجامعة هذه الرزنامة يفترض ان ينتهي تطبيقها قبل نهاية افريل واملي ان زميلي الذي خلفني سوف يطبّقها وبصفة موازية عملت على إصلاح الإخلالات الكبرى ذات الصفة العاجلة في مجال لجان الانتداب بإعادة انتخابها ولجان التأطير وفي ما يتعلّق بفتح الافاق امام الجامعيين الشبّان بتسريع الانتداب والقضاء على ظاهرة المتعاقدين وعددهم 7 الاف او يفوق وهذه ظاهرة كانت تشكّل خطرا كبيرا على مستوى الجامعة واستقرار العمل والمقاييس العلمية والنجاعة. كان لي برنامج واضح يقضي بالقضاء على ظاهرة الساعات الإضافية والإقلاع عن مبدإ التعاقد في انتظار انتداب الإطارات الجامعية التي تكون ركيزة للجامعة وفي هذا حلول تهتّم من ناحية بفتح افاق الانتداب بأعداد كبيرة ومنتجة وفي نفس الوقت تمكين الطلبة النجباء من ظروف التأطير وتوفير الإمكانات المادية لانجاز عملهم البحثي بتمكينهم من منحة ذات بال حتّى يتفرّغوا بصفة شبه تامّة للبحث وهذه بعض التوجّهات الكبرى التي قمت بها الى جانب حلّ مشاكل متأكدّة في ما يتعلّق بالعمّال والموظفين منها المناولة والتعاقد والحضائر و21 21 ...وضعت مخطّطا لإستيعاب الموظفيّن والعمّال وتسوية وضعياتهم الاجتماعية كل هذا حصل في مدّة قصيرة واعتقد انّها كانت ضرورية ومتأكدّة بطبيعة الحال لم يكن ممكنا إجراء اصلاحات استراتيجية ولكن قمت بما هو متأكّد واعتقد ان ما قمت به كان محلّ تقدير لدى العمّال والموظفّين والطلبة وإطار التدريس ومختلف المتدخلين في الحياة الجامعية ومن هذا المنطلق اعتقد اني قمت بدوري كاملا رغم الضغوطات الكبرى التي كانت مسلّطة على الوزارة. هذه الضغوطات هل تعتقد انّها كانت مقصودة من خصوم سياسيين ام مجرّد طلبات عادية في مناخ الحرية والثورة؟ انا لا اتّهم اي جهة لكن واقع الامر انّ هناك المئات يأتون كل يوم ويطلبون لقاء الوزير والتقيت وفودا متتالية وتحاورت معهم والمشكلة الكبيرة ان البلاد كانت مفكّكة وكان هناك تصحّر وغياب اي نوع من التمثيل من الطلبة والعمّال وحتّى الاساتذة وكانوا يأتون كافراد ومجموعات فكنت اتلقّى نفس الاسئلة واعيد نفس الإجابات وهذا كان بمثابة الدوران في حلقة مفرغة تعاملنا معها بكل أريحية وبكل انفتاح وكنت اعمل من الثامنة صباحا الى التاسعة مساء في مكتبي ثمّ اسهر في البيت حتّى ادرس الملفّات العاجلة حتّى اجد حلولا قابلة للتنفيذ. ماحدث في صفاقس أنّكم اتّهمتم اطرافا نقابية بوقوفها وراءه هل كان خلافكم مع اتحاد الشغل بسبب الموقف من مجلس حماية الثورة ووجودكم في الحكومة؟ لم يكن لي اي خلاف مع اتحاد الشغل ولا لحركة التجديد ايضا، انا اساسا نقابي واعتبر نفسي من ابناء الاتحاد العام التونسي للشغل وعندي علاقات فكرية وعاطفية كبرى وتحمّلت فيه مسؤوليات في نقابة التعليم العالي بداية الثمانينات كل هذا يجعل منّي ابعد ما اكون عن اي خلاف وانا مقتنع ان للاتحاد دورا كبيرا وكانت له مساهمة كبيرة في ثورة 14 جانفي وبالتالي ربّما كانت لنا خلافات لا مع اتحاد الشغل بل مع تمشّي بعض المجموعات السياسية على اساس معارضة الحكومة وعلى اساس القول «لا»دائما مهما فعلت الحكومة من مبادرات إيجابية. الخلاف كان على نقطة واحدة، نحن كنّا مع تأسيس هيئة ممثّلة لاوسع الشرائح وكل الاطراف السياسية المؤمنة ببناء مجتمع ديمقراطي جديد وان يكون هناك مجلس يمثّل سلطة مضادّة يعبّر عن الإرادة الشعبية في مراقبة اداء الحكومة ويدعم مبادئ الثورة كنّا متفقين على هذا لكنّنا رفضنا ان تكون للمجلس سلطة تقريرية وان يكون بمثابة سلطة عليا فوق الحكومة وفوق إرادة الثورة فلا يمكن لاحد ان يكون وصيّا على إرادة الشعب ولا ان يتحدّث باسمها. إرادة الشعب تعبّر عنها الانتخابات الشفّافة عبر اليات قانونية واجرائية يطمئنّ لها الجميع. والان عدنا الى الهيئة العليا وهي نفس الالية التي اقترحناها مع اختلاف بسيط في الاسم. ولذلك نحن مع التجاوز ومع موقف عقلاني ومسؤول يبحث عن التوافق حول الاليات التي يجب ان يطمئن لها الجميع وان تحقّق تكافؤ الفرص والحياد التّام للهيئة المشرفة وكل هذا يجب ان يكون محلّ توافق بين الاطراف السياسية. لكن هذا لا يمنع من القول ان البلاد اليوم في نفس الوقت الذي تبحث فيه عن التوافق لابد لها من صياغة «عهد» يؤكد على ان تونس دولة مستقلة ذات سيادة ولها مكاسب كبرى يجب الحفاظ عليها وتطويرها في مجال حقوق المرأة والتعليم والتعددية واحترام حقوق الاقلية وغرس ثقافة ديمقراطية جديدة وادراج قضية التنمية كاولوية. كل هذه النقاط من المفروض ان تكون توطئة للقانون الانتخابي الجديد حتّى نمنع الانحراف بالثورة والمزايدات باسم الهوية والشعب والدين الذي يجب ان يكون بعيدا عن الصراعات السياسية كل هذه المبادئ يجب ان تكون محلّ إجماع وطني حتّى تكون ضمانا لمناخ الحوار والحرية والديمقراطية والحوار. يوم 24 جويلية سيختار الشّعب ممثليه في المجلس التأسيسي كيف ستدخلون الانتخابات وهل تفكّرون في بناء جبهة تقدمية؟ نحن كحركة تجديد دعونا منذ سنوات الى تجميع القوى الحداثية والديمقراطية والتقدمية المتعلّقة بالحرية والمواطنة والعدالة الاجتماعية في قطب سميناه قطب ديمقراطي تقدمي حدث هذا منذ السبعينات وكانت لدينا ومازالت فكرة تجميع القوى الوطنية فاليوم بعد هذه الثورة التي اعتبرها حركة تحرير ثانية إذ انّها حرّرت العباد بعد ان حرّر الاستقلال البلاد، هناك اليوم افاق جديدة وهناك حاجة لتجاوز النقاشات حول الشكليات التي سادت في الفترة الاخيرة والنقاش حول مشاريع مجتمعية. هناك مشاريع تدفع الى الامام وهناك مشاريع ارتدادية من الناحية السياسية ومن الناحية الحضارية ونحن واعون ان المصلحة الوطنية اليوم ومن اجل الحفاظ على مكتسبات الحداثة تقتضي التقاء كل القوى المؤمنة بالقيم الوطنية والكونية في قطب او جبهة تكون اوسع ما يمكن وتكون قادرة على بناء الدولة الجديدة في ظل مبادئ وقيم ثورة 14 جانفي. هذا ما سنعمل من اجله لان الخلط الذي وقع على اساس اسس لم تكن دائما مبدئية وعلى أسس طغت عليها المزايدات العقيمة، يجب الفصل بين من يقف وراء المبادئ الحضارية والتقدمية والبناء الجدّي والمسؤول للدولة الجديدة على اسس المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية من ناحية، وبين من يحمل مشاريع اخرى. تمّ حل التجمّع الدستوري الديمقراطي، هناك احزاب ولدت من رحمه او ستولد كيف ترى هذا القرار وما هو موقفكم من مشاركة المنتمين لهذا الحزب سابقا في الحياة السياسية؟ هذا القرار يكرّس القطع مع المنظومة الاستبدادية السّابقة الذي حصل هو ان التّجمّع لم يكن حزبا حاكما بل كان حزب الحاكم وكان له امتداد عريق في الحركة الوطنية وكان حاملا لمشروع النهوض الاجتماعي والاقتصادي لكن استولى عليه نظام بن علي وحوّله الى جهاز اداري لخدمة اهدافه وبالتالي فقرار حلّه له صبغة رمزية وصبغة عملية خاصة انّه تمّت مصادرة املاكه وحساباته البنكية من هذه الناحية هذا قرار إيجابي جدّا. من ناحية اخرى هذا لا يجب ان يؤدّي الى اجتثاث الحركة الدستورية ويجب ان يقع الفصل بوضوح بين بقايا المنظومة الاستبدادية ممّن تورّطوا في القتل والترويع والاستبداد والفساد على اسس القضاء دون ان نقع في إجتثاث كل من انخرط في هذا الحزب إذ انّنا جميعا نعرف كيف كانت تسوّق انخراطات التجّمع بفرضها على الموظفّين وغير الموظفّين كل هذه الالاف من الناس يجب ان تحمى حقوقهم واعتقد انّه في إطار التمشّي الوطني الذي يقطع بجدّية مع بقايا الاستبداد والمجازاة العادلة للمتورّطين في الفساد والقتل والترويع وفي نفس الوقت يجب ان تفتح اسس المصالحة الوطنية على مبادئ وقيم الثورة لانّه لا يمكن ان نبني مجتمعا جديدا بعقليّة التشفّي وغياب ضوابط حقوق الانسان. نحن نريد ان يشارك كل الشّعب التونسي بكل حساسياته بما فيها الحركة الدستورية المرتبطة بالثعالبي وبورقيبة وغيرهم من الزعماء في بناء تونس وعلينا ان نستخلص الدروس والعبر من التجارب الكليانية والاستبدادية حتّى لا نعيد نفس الاخطاء لان عقلية الحزب الواحد والراي الواحد هي التي انتجت بن علي وليس العكس وفي كل هذا نحن نعوّل على جميع التونسيين من ذوي العزائم الصادقة المؤمنة بتونس وهم غالبية الشعب التونسي من اجل بناء مجتمع جديد. ليس من المعقول ان نطارد ونقصي كل من كان له في يوم ما مجرّد انخراط بسيط في التجمّع علينا ان نتعلّم من التجارب الاخرى مثلا ما حدث في جنوب افريقيا من مصالحة على اسس الحرية والديمقراطية وهذا ما ارجوه لتونس واعتقد ان الحركة الدستورية لا يمكن ان تموت لكن عليها القطع مع مخلّفات المرحلة السّابقة. ما هي الاولويات المطروحة على تونس اليوم؟ نحن مع تمشّ جدّي مع هذه الحكومة على أساس تنظيم انتخابات شفّافة والتخلّص من رواسب الماضي منها الإعلان عن حلّ جهاز الأمن السياسي وهو قرار مهمّ لكن ستكون هناك تعقيدات في تطبيقه على المستوى الهيكلي.لابد من إصلاح حقيقي لجهاز الأمن حتّى يكون في خدمة المواطن وحماية الجمهورية وتطبيق القانون وان لا يكون مجرّد جهاز قمعي في خدمة من يكون في السّلطة بغض النّظر عن اللّون السياسي لابد من هيكلة جدّية لهذا الجهاز الذي تحتاجه البلاد فلا وجود لاي تنمية ولا حرية ولا ديمقراطية دون امن. لكن لابد من الوعي ان الوضع لم يستقر بعد، في القطع مع الماضي خطونا خطوات كبرى لكن في بناء منظومة جديدة نحتاج الى وقت كما يقول غرامشي «القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد ميلادا حقيقيا وفي هذا البين يولد المردة» هناك اخطار من المزايدات وتزييف الحقائق في غياب احزاب قادرة على التأطير نحن مع مناخ ديمقراطي حقيقي يعطي الثقة للمواطن ويمكّنه من الإطّلاع على البرامج ويسمح للشباب بالانخراط في الاحزاب حتّى تكون هناك انتخابات حقيقية تفرز من يحمل المشاريع الإيجابية لتونس من تنمية وحرية وعدالة اجتماعية وحداثة وبين من يخفي مشاريع خطيرة على مستقبل البلاد وحداثتها. موعد 24 جويلية هل يكفيكم الوقت للاستعداد له؟ الوقت لا يكفي إنطلاقا من تجارب شعوب اخرى إذ ان كل الخبراء تقريبا اجمعوا على ان اعداد القانون الانتخابي والترتيبات الإدارية والتقنية تحتاج الى 22 اسبوعا ولكن لنمرّ بسرعة الى الحوار الجدّي والسياسي لبناء قوّة حداثية تقدمية واسعة حتّى تكون الفترة القادمة فترة بناء مع التواصل مع المكاسب الوطنية التي تعتبر من مقوّمات الهوية التونسية المتجدّدة. تونس الشروق: الاستاذ احمد ابراهيم الامين الاوّل لحركة التجديد مثّل حركته في الحكومة المؤقتة الاولى والثانية قبل ان يستقيل من منصبه كوزير للتعليم العالي والبحث العلمي. هذه المشاركة في الحكومة أثارت الكثير من الجدل في الشّارع السياسي خاصة من جبهة 14 جانفي والاتحاد العام التونسي للشغل، الشروق التقته في هذا الحوار حول المشهد السياسي في تونس اليوم وافاق التجربة الديمقراطية والاستعداد لموعد 24 جويلية.