الى وقت ليس بالبعيد كان الضجيج يعمّ السكان والفوضى في كل الأركان.. خطوات متعثّرة ونفوس مرهقة وأذهان شاردة.. متحسّرة على مدينة تختنق.. مشهد لم يدم طويلا لتعود الروح من جديد الى العاصمة.. شوارع نظيفة خالية من الازدحام وتراكم البضائع والانتصاب الفوضوي.. صباح جديد تستفيق عليه العاصمة والشوارع الموازية إليها.. حركية منظمة لم تشهدها هذه الشوارع منذ أن استغلّ بعض الباعة هذا الظرف الذي تمرّ به البلاد اليوم وخرقوا القانون وعرضوا بضاعتهم في كل مكان. وبعد الحملة التي قام بها أعوان الأمن والجيش الوطني مساء أول أمس للحدّ من الانتصاب الفوضوي انتعشت المدينة من جديد وعادت لها نضارتها وارتدت حلّة جديدة فظهرت في أبهى حلتها وأجمل زينتها.. مشهد فارقته العيون منذ أسابيع واشتاقت إليه النفوس فعاد من جديد. «الشروق» تجوّلت في بعض أنهج العاصمة ولاحظت الفرق بين فوضى الأمس وهدوء اليوم. هدوء وارتياح هدوء كبير تشهده العاصمة اليوم ارتياح وطمأنينة وإقبال على الحياة تلمسه في كل شخص اختار وجهته الى العاصمة هذا الصباح.. نفوس مرتاحة متعطّشة الى جلسة تحت شجيرات ذاك الشارع بعيدا عن فوضى الأمس.. خطوات ثابتة تتنقل بكل ارتياح.. «العاصمة تبتسم من جديد».. يقول أحد المارة «ما أجمل مدينتنا عندما تكون نظيفة.. اليوم أحسست بالراحة وأنا أتجول بين شوارعها.. لقد أصبت بالاختناق وبالغثيان في الأيام الماضية.. شوارع العاصمة أصبحت شبيهة بشوارع القاهرة المكتظة.. أوساخ في كل مكان وصياح وضجيج وأشياء أخرى لا يمكن وصفها..». يضيف السيد محمد من أوفياء شارع الحبيب بورقيبة «إني أعشق التجول في هذا الشارع ومنذ أسابيع لم أنزل الى وسط العاصمة نظرا لما كانت تشهده من فوضى واكتظاظ أما اليوم فقد تفاجأت وأنا أتجول بين شوارع المدينة.. الحياة تدبّ من جديد والروح تعود الى هذه الشوارع بعد أن شهدت حالة من الاختناق». نفس جديد شارع باريس ومحطة الجمهورية ونهج روما وباب بحر.. وسط العاصمة استفاقت هذا الصباح على مشهد جديد كانت قد ودّعته منذ أسابيع.. ارتياح كبير ونسيم عليل يهبّ على شجيرات المدينة فترقص أغصانها وتتمايل أوراقها فرحا بيوم جديد قد أعاد إليها الحياة بعد أيام من الاختناق وصلت الى حدّ الاحتضار. «وجوه منشرحة مستبشرة بيوم جديد وبعاصمة نظيفة».. تقول السيدة أحلام كانت تمرّ كل يوم من شارع باريس مرورا بشارع الحبيب بورقيبة: «كنت أتألم كلما مررت من هنا وأتساءل عن مدى شعور هؤلاء الباعة بالمسؤولية؟! لأني أعتقد أن أي إنسان يشعر بانتمائه الى هذا الوطن وبالمسؤولية تجاهه لن يقدم على مثل هذه الأشياء.. مشهد لا يليق بتونس الخضراء».. تضيف السيدة أحلام «اليوم فقط شعرت أني في شارع بورقيبة الجميل..». ارتياح «نفس جديد وشعور جميل استفقنا عليه اليوم.. شوارع نظيفة ومنظمة وارتياح كبير من فوضى ضيّقت الخناق على نفوسنا..» هكذا تحدث الطالب محمد علي الذي كان سعيدا بعودة الروح والهدوء الى شوارع العاصمة بعد أن عمّتها الفوضى في الأيام القليلة الفارطة.. وفي نفس السياق تحدث زميله عن ضرورة المحافظة على واجهة البلاد وإعطاء صورة راقية على التونسي الذي عرف بحبّه لوطنه والمحافظة عليه والسّعي دائما الى إبرازه في أبهى حلّة..». «الكل مشتاق الى شوارع نظيفة دون ضجيج أو اكتظاظ.. الجميع يبحث عن أنهج منظمة بعيدا عن تلك المشاهد التي رسخت في الأذهان.. هكذا نريد تونسنا اليوم.. هكذا يجب أن تظهر عاصمتنا..» كلمات وصلتنا من أحد الجالسين على مقعد في شارع الحبيب بورقيبة كان يتأمّل ذاك الهدوء الذي عاد الى المكان بابتسامة تجلب له الأنظار من بعيد. ابتسامة تعيد الحياة من جديد لكل من اختار العاصمة في ذاك الصباح.. ارتياح وطمأنينة وإقبال على الحياة.. في يوم جديد قطع مع أمس أرهق النفوس وأضنى القلوب». هكذا إذن تستعيد العاصمة نضارتها وتسترجع حرّيتها في يوم عمّ فيه الهدوء وحلّ النظام بعد أن غابت كل القيم وعمّت الفوضى.