مرة أخرى، يذهب نظام عربي الى المشنقة الدولية والمقصلة الأممية ويفسح المجال رحبا أمام جحافل القوات الاجنبية والبوارج الأمريكية والبريطانية لتقصف جزءا من ترابنا العربي وتنتهك مكونا هاما من مكونات أمننا القومي العربي، أو ما تبقى منه. مرة ثانية، يوضع نظام عربي تحت طائلة الفصل السابع وتشحذ السكاكين الغربية والعربية لتقطيع أوصاله وتفتيت بنيته الاجتماعية ونهب ثرواته الباطنية... وما أقلها وما أندرها هذه الأيام. ومرة ثالثة، توضع الشعوب العربية بين خيارين أحلاهما علقم فإما الرضوخ لثلاثية «الاستبداد والفساد وسلاح الميليشيات» وإما القبول بثلاثية استنزاف الخيرات والاستيلاء على ارادة الشعوب وادامة الاحتلال»... ومرة جديدة، ولن تكون الأخيرة حتما، يهب مجلس الأمن لاستصدار قرار لذبح «دولة عربية» وآخر همّ أصحاب القرار وستشهد الأيام على صحة هذا القول الليبيون وثورتهم الأبية. لن نتحدث عن صم آذان القوى الخمس الكبرى لآهات وصرخات الأرامل والمكلومات في بغداد والفلوجة وسامراء والبصرة والانبار». لن نتطرق الى اغماض جفون الحريصين على الحرية الفردية والجماعية لطائرات «أف 16» التي تصب حممها على القرى الافغانية والباكستانية وحتى اليمنية. لن نشير ولو بطرف خفي الى المقاتلات الصهيونية التي لم تغادر أجواء لبنان منذ 2006 والتي تستمر في الاستهتار بما يسمى «الشرعية الدولية» ولن نتكلم عن مجازر حيقت وألحقت وارتكبت في قطاع غزة وعن قنابل الفوسفور الملقاة من السماء... لن نفتح باب المقارنات والمفارقات باعتبار أن لعبة الامم توضحت وانكشفت منذ أمد ولأن همنا بيان خلفيات ومخاطر القرار لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. والتي من بينها تعريض ليبيا الى ضربة حتمية تذهب بمنشآتها الجوية (سواء المدنية أو العسكرية) والى ضربات برية مرجحة تعصف بأرواح مزيد من الليبيين والى ضربات «برية بحرية جوية» تعيد البلاد الى حقبة حصار الثمانينات والتسعينات فوفق العرف الدولي كل المنشآت والمؤسسات مصدر تهديد وخطر ولنا في العراق خير دليل بعد ان استحال «قلم الرصاص» خطرا على القوى الغربية. من بين المخاطر، اختراق الأمن القومي ليس العربي فحسب فهذا معطى تجاوزته الاحداث منذ كامب ديفيد 1979 وانما الاقليمي المغاربي والقطري لدول الجوار الليبي فدخول الطائرات الغربية لليبيا معناه استراتيجيا اختراق السيادة المغاربية لا سيما وان المغرب العربي لم يصدر بعد أي قرار حول هذا القرار الدولي ولم يطالب أيضا باتخاذ اجراءات لازمة تحفظ ما تبقى من أخوة مغاربية خاصة وان الغرب سيجد من الحجج والتعلات القاعدة الهجرة السرية... ما يمكنه من تخليد بقائه على التراب الليبي. من بينها أيضا، نهب النفط الليبي (سواء مباشرة عقب الاسقاط المفترض للقذافي... أو بالتنسيق مع الحكومة القادمة التي ستجد نفسها مرغمة ومجبرة على التعاون مع عواصم غربية ساهمت في ثورتها ودفعت بجيوشها لنصرتها وهو دين على المجلس الانتقالي لابد أن يدفع آجلا أم عاجلا... نفط ليبي يسيل لعاب الغرب الذي يشكو من أزمات مالية طاحنة والمتوجس من نضوب نفط الخليج (الذي سيقل انتاجه بشكل كبير عقب عقد من الآن). نفط ليبي... هو بالضرورة عند الغرب، أرقى من دماء البشر ولهذا تعبأ القوات لاستخراجه حتى وان أريقت من أجله مزيد من دماء الليبيين لن نقف الى جانب القذافي، الذي «شخصن» البلاد وفتك بالعباد، ولن نعادي الثورة الليبية حتى وان عادينا حلفاءها ونددنا بشركائها الأجانب وشجبنا سلاحها، بيد أننا لن نسكت عن ذبح بلد واسقاط نظامه بالقوة، فشواهد التاريخ الحديث أثبتت أن القوة الغربية لا تصنع ديمقراطية ولا تهب سيادة وطنية ولا تفرز كرامة حقيقية... والله أعلم.