نقابة الصحفيين تندد بحملة تحريض ضد زهير الجيس بعد استضافته لسهام بن سدرين    توزر: إمضاء اتفاقية بين ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية لتحسين إنتاجية وجودة المنتجات الحيوانية    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    الرابطة المحترفة الاولى: حكام مباريات الجولة 28.    مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري دون تسجيل أضرار بشرية    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    النادي الصفاقسي: 7 غيابات في مباراة الترجي    عاجل/ في بيان رسمي لبنان تحذر حماس..    عاجل/ سوريا: الغارات الاسرائيلية تطال القصر الرئاسي    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاتب دولة سابق ل«الشروق»: فساد ليلى الطرابلسي وراء إقالتي المفاجئة من حكومة بن علي
نشر في الشروق يوم 30 - 03 - 2011

٭ تونس «الشروق«:
تلقى السيد كمال العيادي الرئيس السابق لعمادة المهندسين التونسيين والرئيس الفخري للاتحاد الدولي للمنظمات الهندسية والرئيس المؤسس للجنة القارة لمكافحة الفساد دعوة من الاتحاد الأمريكي للمهندسين المدنيين لتسلم جائزة الاتحاد التي تسند سنويا لشخصية هندسية وعلمية.
وتأتي هذه الجائزة كتتويج للرجل على المجهودات التي طالما بذلها منذ انخراطه في المجتمع المدني خاصة صلب منظمة الأمم المتحدة وإصراره على ذلك رغم الصعوبات التي اعترضته لا سيما في العهد البائد عندما تم تكليفه بمهمة كاتب دولة لدى وزيرة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية في موفى 2004 فوجئ بعد عودته من أحد المؤتمرات العلمية بالخارج بإقالته بعد سنة وأربعة أشهر فقط من تنصيبه.
واسندت له رئاسة المجلس العالمي الاستشاري للإعداد للدورة القادمة للأيام العالمية للتكنولوجيا التي تحتضنها العاصمة السويسرية في سبتمبر المقبل.
عميد المهندسين السابق تحدث ل«الشروق» عن مسيرة نضاله في المجتمع المدني محليا ودوليا كما تحدث عن أسباب إقالته من منصبه كعضو في الحكومة في العهد السابق في ظروف غامضة وأيضا عن الآفاق المستقبلية لأنشطته في الحوار التالي:
٭ علمنا أنّ منظمة المهندسين الأمريكيين وجّهت إليك دعوة لتسليمك جائزتها السنويّة فهل لك أن تحدّثنا عن هذه الجائزة؟
فعلا تلقيت مراسلة من هذه المنظمة تعلمني بقرار مجلسها التنفيذي بإسنادي جائزته السنويّة وذلك خلال المؤتمر السنوي القادم الذي تعقده بمدينة «منفيس»، والذي يشارك فيه سنويّا قرابة ألفي مهندسا من مختلف أنحاء أمريكا، ومن دول أخرى. وهذه الجائزة تسلم مرّة كلّ سنة إلى شخصيّة هندسيّة من أمريكا أو من خارجها، باقتراح من هيئة الرؤساء السابقين للمنظمة الأمريكيّة والتي تضمّ ما يزيد عن عشرين رئيسا سابقا، وبتزكية من المجلس التنفيذي. ويقول نصّ الجائزة «تقديرا لريادته للمجموعة الهندسيّة العالميّة، ولأعماله ضمن برامج الأمم المتحدة وخصوصا فريق عمل الأمم المتحدة للعلوم والتكنولوجيا والقمّة العالميّة لمجتمع المعلومات» وبعد أن أتسلم الجائزة سوف أدعى لإلقاء كلمة بالمناسبة. مع الإشارة إلى أنّه وقع منحي منذ 3 سنوات عضويّة هذه المنظمة التي أنشط صلب إحدى لجانها، وهي لجنة الأخلاقيات والمبادئ في التعامل المهني.
٭ وبصفتك الرئيس المؤسس للجنة القارة لمكافحة الفساد والرشوة في قطاع البنية التحتية صلب الاتحاد الدولي للمنظمات الهندسية أي دور لهذه اللجنة في مكافحة الفساد في تونس؟
لقد قمت بإحداث هذه اللجنة خلال الجمعيّة العموميّة التي التأمت بالهند سنة 2007، عندما انتهت مدّة رئاستي للإتحاد. وقد وجدت الدعم عند إحداث هذه اللجنة من قبل عديد الأطراف منها البنك العالمي، ومنظمة الشفافيّة العالمية والمنظمة الهندسيّة الأمريكيّة التي لها تجربة طويلة في مكافحة الفساد. وقد قمنا بالتعاون مع معهد الأخلاقيات المهنيّة بجامعة تكساس الأمريكيّة، والمركز العالمي لمكافحة الفساد بالبنية التحتيّة بإنتاج برامج تعليميّة وشريطين سينمائيين بجودة عالية لتدريب المهندسين والطلبة حول فهم الفساد وكيفيّة وقوعه والتوقّي منه، مع نشر أخلاقيات التعامل المهني، وتطوير منظومة بالإشتراك مع الفيدرالية العالميّة للمهندسين الاستشاريين حول التصرّف في النزاهة والحدّ من الفساد صلب المؤسسات والمشاريع الكبرى. وقد قامت اللجنة بإحداث برنامج تكوين المكوّنين، في مجال الفساد ويتمثّل هذا البرنامج في تكوين عدد من المهندسين والإطارات بمختلف دول العالم وتمكينهم من برامج التكوين التي وقع إنتاجها لإستخدامها بصفة مجانيّة. وقد تمّ تنظيم أربعين ورشة تدوم كلّ واحدة 3 أيّام. 4 من هذه الورشات وقع تنظيمها بتونس في أفريل وأكتوبر 2007 ثمّ جوان 2009 وديسمبر 2010. وشارك فيها عدد من المهندسين التونسيين والأفارقة وقد تمّ ذلك بالإشتراك مع الفرع الإقليمي للمركز العالمي لمكافحة الفساد في قطاع البنية التحتيّة الذي قمت بإحداثه في تونس ويشعّ هذا الفرع على منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
٭ هل كانت اللجنة تواجه بعض الضغوطات أثناء أداء مهامها؟
في الواقع لم نتعرّض لضغوطات تذكر لسببين اثنين.
الأوّل له علاقة بمهمّة كلّ من اللجنة والفرع الإقليمي للمركز العالمي لمكافحة الفساد والتي تتمثّل في الوقاية وليس العلاج. وبالتالي لا يتمثّل دورهما، وذلك حسب ميثاق عملهما في الإستقصاء في الفساد والتشهير به ، ولكن ينحصرهذا الدور في نشر الأخلاقيات Business Integrity ومساعدة المؤسسات على وضع منظومات التصرّف في النزاهة وإدراجها ضمن آليات التصرّف في المؤسسات على غرار Management System ما هو معمول به على الصعيد الدولي، حيث أقبلت ما يزيد عن 50% من المؤسسات الكبرى على إدراج مثل هذه المنظومات. وهذا هوالكفيل بالحدّ من الفساد فهناك تقنيات تمكّن من ذلك. فالحدّ من الفساد هو بالأساس جزء من منظومة التصرّف في المؤسسة، على غرار منظومات الجودة الكاملة والسلامة المهنيّة.
السبب الثاني الذي حال دون التعرّض للضغوطات هوأنّ هذه الورشات لم تقع تغطيتها إعلاميّا، وكانت كلّ الوثائق باللغة الإنقليزيّة، وبالتالي لم يقع التنبّه إليها أصلا، وقد سجّلنا اهتمام ومتابعة عديد المؤسسات والبنوك التي قامت بتشريك إطاراتها، ولمسنا لديها وعي بأهميّة هذه المسائل وخاصّة بالنسبة إلى المؤسسات التي تواجه ضغوطات في التعامل مع شريكاتها من المؤسسات الأجنبيّة التي قطعت خطوات في مجال إدراج منظومات التصرّف في النزاهة.
٭ بعد الثورة هل تعتبرون أنّ الأرضيّة ملائمة حاليّا لتطوير عمل اللجنة لا سيما وأنّ لجنة التقصي حول الفساد والرشوة تعمل على الحدّ من التجاوزات؟
عملنا يختلف عن عمل اللجنة، عملنا وقائي ويتمثّل في نشر ثقافة النزاهة والأخلاقيات المهنيّة مع وضع الآليات العمليّة صلب المؤسسة للحدّ من الفساد. في حين أنّ عمل اللجنة هوعلاجي، ويتمثّل في كشف الفساد ومتابعة المتسببين فيه. بطبيعة الحال فإنّ الثورة فتحت طورا جديدا لم نكن نحلم به لتطوير عملنا ومساعدة الأفراد والمؤسسات على اكتساب الخبرة التي تتوفّر لدى الشبكة التي نعمل صلبها. ولكن الثورة لوحدها لا تكفي فيجب تطوير الوعي لدى مسيّري المؤسسات العموميّة والخاصّة بضرورة الإقبال على إدراج هذه المنظومات صلب طرق وأساليب التصرّف. كما يجب إدخال تدريس مادّة الأخلاقيات بالجامعات وفي حلقات التكوين المستمرّ وهوما نسعى إلى تحقيقه.
٭ علمنا أنّكم تلقيتم دعوات للإنضمام إلى بعض الأحزاب الجديدة فكيف كان ردّكم؟
فعلا تلقيت عدّة دعوات للإنضمام إلى عديد من الأحزاب بعضها من موقع قيادي، لكنّي لا أروم الإنضمام إلى أيّ حزب، على الأقلّ في المرحلة الراهنة. أودّ أن أسخّر نشاطي إلى المساهمة في تأطير العمل المنظماتي والجمعيّاتي في المجال العلمي والتنموي والذي تتوفّر لديّ فيه بعض التجربة. هذا العمل كان مشوّها ومشلولا في العهد السابق باعتبار أنّه يتطلّب من الناشطين الذين لهم طاقة وقدرة على العمل في هذا الحقل إظهار الولاء المطلق للنظام السابق أوعلى الأقلّ حدّ أدنى من الإنسجام معه لكي لا يعطّل نشاطهم، وهوما ينزع عنه جانب من التلقائيّة ويجعل مصداقيته موضع تساؤل. أمّا الآن وقد زالت هذه الشوائب والعراقيل فيمكن إعادة صياغة قواعد جديدة للعمل صلب المجتمع المدني، ولن يبقى في هذا الحقل سوى النشطاء الصادقين الذين هم مغرمون بهذا النوع من النشاط ومن باب الإعتقاد وأنّ لهم رسالة نبيلة. وفي المقابل فإنّ النشطاء الذين كانوا متواجدين على الساحة من باب البحث عن فضاءات لإبراز الولاء، سوف يزولون آليا.
٭ أفهم من هذا الكلام أنّك لم تنتم يوما إلى أيّ حزب سياسي فكيف حظيت بمنصب كاتب دولة لدى وزيرة التجهيز في حكومة الرئيس المخلوع؟
منصبي ككاتب دولة كان بصفتي تكنوقراط مستقلّ، وعلى خلفيّة نشاطي صلب المجتمع المدني، وخاصّة إثر انتخابي على رأس الإتحاد الدولي للمنظمات الهندسيّة، واختياري من قبل الأمم المتحدة لعدد من الأعمال، ومن بينها انتخابي صلب مكتب المجتمع المدني الدولي للمشاركة في القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات كممثّل للمجموعة العلميّة والهندسيّة.
٭ تمّت إقالتك من هذا المنصب بعد سنة وأشهر قليلة في ظروف اعتبرت غامضة في تلك الفترة لماذا؟
في الواقع أتحاشى الحديث عن هذا الموضوع لأنني لا أبحث عن تسجيل مواقف بطوليّة، وقد سبق وأن قلت بهذا الخصوص عندما توفّرت لي الفرصة خلال مداخلتي بمجلس المستشارين في أوّل جلسة له بعد الثورة المباركة وأنّي أستحي من التعريج لمظلمة شخصيّة لحقتني من النظام السابق لكي لا يؤخذ كلامي على محمل الإنتهازيّة والإستعطاف، فمن الشهامة أن يتحمّل الفرد تبعات خياراته حتّى وإن لم يكن له أصلا خيار.
ولكن يمكنني أن أقدّم للقارئ ما تعرّضت إليه من باب إطلاعه على الطريقة التي كان يتعامل بها بن علي لا فقط مع المعارضة ولكن مع من اختارهم لمناصب متقدّمة أيضا.
إقالتي تمّت بطريقة مريبة. كان ذلك يوم 10 مارس 2006، عندما كنت عائدا من الخارج في جولة قادتني إلى بعض العواصم الأوروبيّة، قمت خلالها بإلقاء محاضرة بالبرلمان المجري حول موضوع علمي لا علاقة له بالسياسة، ثمّ التقيت في باريس بالمدير العام لليونسكوالذي طلب منّي رئاسة فريق عمل لإصدار تقرير عالمي حول الهندسة والتكنولوجيا في العالم. وقد صدر التقرير منذ بضعة أشهر وكان مبرمج إطلاقه من تونس بمناسبة الزيارة التي كان من المفروض أن تقوم بها في شهر فيفري الفارط المديرة العامة لليونسكوإلى تونس. وعندما وصلت إلى مطار تونس قرطاج تقدّم مني عون من البوليس السياسي وأعلمني أنّ الوزير الأوّل يريدني أن أمرّ عليه في مكتبه. فاستغربت في الأمر خاصّة أنّ الوقت كان متأخّرا بعض الشيء واليوم كان يوم جمعة.
عندما وصلت إلى الوزير الأوّل أعلمني أنّ رئيس الدولة قد أقالني، بطريقة جعلتني أشعر وأنّ هناك أمرا مخطرا. سألته عن السبب، فأعلمني وأنّه لا يعلم شيئا، وقال لي أنّ الرئيس طلب مني أن أسلّمك هذا الظرف وكان محكم الغلق، وقال لك «لا تبتعد هذه الأيّام». ولم أفهم القصد من كلمة لا تبتعد، ما إذا كانت إيحاء بإقامة جبريّة، أم منع من السفر فقط. وعندما بدت عليّ علامات الحيرة، طلب منّي بشيء من التعاطف واللطف أن أقول له ما أشاء، ووعدني بأن يبلغه للرئيس السابق بكلّ أمانة. فتحدثت عن بعض العموميات لأني كنت أجهل ما بداخل الظرف.
ومباشرة بعد خروجي من مكتبه جلست بقاعة الإنتظارات وفتحت الظرف فوجدت به مقالات منشورة بالأنترنات تتحدّث عن تجاوزات زوجة الرئيس السابق ليلى بن علي، التي كانت تترأس جمعيّة بسمة، وخاصّة مشروع بناء مركز لها بقمرت الذي كانت تشرف عليه وزارة التجهيز والإسكان. وقد كتب على تلك الأوراق بالقلم الأحمر اسمي مع عبارة يحال على التحقيق. أيقنت عندها وأنني مستهدف، فعدت إلى منزلي، وأودعت أبنائي لدى أقاربي نظرا إلى صغر سنّهم (3 و6 سنوات) وذلك خوفا عليهم من الترويع والصدمة لأني كنت أعتقد وأنّه سيقع مداهمة منزلي وإيقافي في تلك الليلة أوالليالي التي تليها.
وفي اليوم الموالي، أرسلت السائق لجلب أغراضي الشخصيّة من مكتبي، فأعلمني وأنّ المكتب كان مشمّعا وموضوعا على ذمّة البوليس السياسي، حيث وقع اقتحامه من قبل أعوان أمن الدولة عندما كنت مسافرا. وتلك هي المرّة الأولى في تاريخ تونس، وأتمنى أن تكون الأخيرة، يقع اقتحام وتشميع مكتب عضوبالحكومة على مرأى ومسمع من الجميع. وقد تمّ حجز حاسوبي الشخصي وبعض الأغراض التي لم أسترجعها إلى يومنا هذا. وأودّ أن أوجّه دعوة بهذه المناسبة إلى السيّد وزير الداخليّة لتمكيني من حاسوبي..
ثمّ تمّ في الأيام الموالية تسريب إشاعات عن تواطؤي في مؤامرة ضدّ الدولة، ولكن لم تنطلي تلك الشائعات على أحد حيث فهم الرأي العام وأنّها كانت مؤامرة لإبعادي من الوزارة التي عملت بها والتي كانت تعتمد عليها عائلة الطرابلسي، وليلى بالخصوص وفهم الجميع أنّ إبعادي كان ضريبة استقامتي، وعدم استعدادي للسكوت عن الفساد. بل تلقيت تعاطفا كبيرا حتى من قبل أشخاص لا أعرفهم. وقد وقع منعي من السفر لمدّة ثلاثة أشهر وشلّ نشاطي صلب الإتحاد الدولي الذي كان يتطلّب مني السفر إلى الخارج باستمرار.
وبعد بضعة أشهر فقط من إقالتي، وبعد شعور النظام السابق بحرج نتيجة إقالتي بتلك الصورة دون مبرّر مقنع، ونظرا لموقعي آنذاك على الصعيد الدولي الذي وفّر لي فرص عديدة لمقابلة رؤساء دول وشخصيات سياسيّة هامّة، وباعتبار وضعيتي المهنيّة كموظّف بالقطاع العمومي، فإنّ النظام السابق كان عليه أن يجد مخرجا لهذه الوضعيّة طالما أنّه لم يتوفّر لديه ما يخوّل له إقصائي من الوظيفة العموميّة. من هنا جاء تعييني بمجلس المستشارين كتسوية لوضعيّة مهنيّة وليس تمييزا أومنّة أومكافأة. ولوكان لي مورد رزق مغاير لما قبلت بذلك التعيين بعد تلك التجربة المريرة التي كادت تؤدي بي إلى السجن والتي خلّفت لديّ شعورا بالاشمئزاز.
وللأمانة فإنّه لم تقع مضايقتي مباشرة أوالتحقيق معي، لكن كنت محلّ مراقبة مستمرّة لنشاطي عن طريق الأنترنات وبريدي الإلكتروني، ممّا شلّ نشاطي في عديد الحالات واضطرّني لتغيير عقد الإشتراك بالأنترنات ورقم الهاتف في مناسبتين. وقد تواصل ذلك طيلة الفترة السابقة إلى أيّام الثورة. كما تمّ أقتحام مكتبي الخاص من قبل البوليس السياسي ليلا في مناسبتين اخرها لم تمرّ عليها بضعة أشهر، بالرغم من أنني كنت أتمتّع بالحصانة البرلمانيّة.
٭ مالذي دفع بك إلى الصمت عن هذه الإقالة سيما وأنّه كانت لديك الكفاءة والعلاقات الجيّدة بمنظمات دوليّة وعروض من قبل هياكل أجنبيّة كاليونسكو؟
أوّلا عندما يتحمّل الفرد مسؤوليّة حكوميّة فهومحمول على واجب التحفّظ وإن لم يلتزم بذلك فإنّ ردّة فعل النظام قد تكون أعنف. ثانيا لقد كان الشعب بأكمله صامتا عن الظلم. وثالثا إنّ صمتي لم يكن فيه مضرّة لأحد، فلوكان صمتي له علاقة بمضرّة للبلاد أولبعض الأشخاص لربّما اختلف موقفي. وقد بيّنت ذلك لمّا كنت على رأس الهيئة الوطنيّة للإتصالات وهي هيئة حكميّة تتألّف من قضاة وخبراء. وكان العمل صلبها حقلا مزروعا بالألغام. حيث كانت الهيئة مدعوّة لإصدار أحكام بشأن النزاعات بين المتدخّلين في القطاع. وكانت قراراتها يترتّب عنها انعكاسات بالمليارات لهؤلاء المتدخّلين. وكانت هناك عديد الضغوطات لكني صمدت رفقة زملائي القضاة وقمنا بواجبنا في كنف العدالة. ويمكن لأي كان اليوم أن يشكك في هذا الكلام لوكان مجانبا للواقع.
٭ كان لعامل «الجهويات» تأثير واضح في اختيار حكومة الرئيس السابق فماهونصيب جندوبة مسقط رأسك في عهده؟
في الظاهر كان النظام السابق يحرص على أن تكون لجميع الجهات تمثيلا صلب الحكومة، إلاّ أنّ ولايات الشمال الغربي، وولاية جندوبة بالخصوص كانت استثناء، فلم يكن النظام يبالي بذلك تماما. فيكفي القول بأنّ عدد أبناء جندوبة الذين عيّنوا بالحكومة منذ الإستقلال لم يتجاوز 5 أفراد، لدحض مقولة التوازن الجهوي المزعوم. أكثر من ذلك فإنّ كلّ هؤلاء وقع تعيينهم على خلفيّة الكفاءة وليس من باب الولاء الحزبي وجلّهم لم يعمّروا بالحكومة أكثر من سنة ونصف بدءا بالأستاذ القدير محمد اليعلاوي، الذي كان وزيرا في عهد بورقيبة. وقس على ذلك في بقيّة المجالات.
٭ أيّة آفاق وحظوظ في التنمية الجهويّة لهذه الولاية الغنيّة بالموارد البشريّة والطبيعيّة؟
جندوبة تزخر بكفاءات بشريّة عالية لم تنل حظّها بما فيه الكفاية، وهي تتمتّع بموارد طبيعيّة نادرة تؤهّلها لأنّ تصبح قطبا تنمويا في أكثر من مجال، وتصير بذلك هذه الولاية قاطرة للتنمية وخلق الثروة وليس عبئا على الدولة. الثورة تفتح أفقا جديدة للتنمية بالولاية ومجالات واسعة لمساهمة أبناء وإطارات الجهة سواء منهم العاملين بالولاية أوبتونس والولايات الأخرى في تنمية ولايتهم، وذلك بفكرهم وعلاقاتهم. وهذا لم يكن متاحا في السابق. وبالتالي حان الوقت للعمل سويّا وتجاوز صعوبات المرحلة السابقة. وسأعلن قريبا عن مبادرة فى هذا الشأن.
٭ بوصفك رئيسا سابقا لعمادة المهندسين . كيف تقيّم ما يحدث حاليّا صلب العمادة، وهل لك نيّة العودة مجدّدا؟
في الواقع لست أتابع عن قرب ما يحدث بالعمادة، وليست لديّ معلومات محيّنة. زيادة على ذلك فقد سعيت منذ مغادرتي لها منذ قرابة 10 سنوات إلى التزام الحياد، مع التعاون مع العمادة في الأنشطة العلميّة دون التدخّل في التسيير. ولكن منذ قيام الثورة أعربت عن موقفي من ضرورة التغيير وإفراز قيادة تتماشى مع روح الثورة.
أمّا بخصوص العودة مجدّدا فأنا ليست لي النيّة في ذلك أبدا، وهذا الموقف ليس بالجديد، فقد توفرت لي فرصة قيادة هذه المنظمة وحاولت القيام بما أستطيع. وأعتقد وأنّ القطاع يزخر بالكفاءات والمناضلين لإدارة شؤونها. مع التعبير عن استعدادي للمساهمة في بناء المرحلة القادمة بالفكر وبما توفّرت لدي من تجربة ومعرفة دقيقة بواقع القطاع في عديد الدول. كما أني أشعر بالحسرة لأني لم أمكن زملائي من الإستفادة من موقعي على رأس الإتحاد الدولي ومن العلاقات مع عديد الشبكات، وذلك نظرا للوضع الذي كان قائما. وأتمنّى أن يزول ذلك في المستقبل ويقع خلق المناخ الملائم للعمل المشترك والتعاون البنّاء، وإنّي على استعداد لمساعدة العزائم الصادقة لإعادة هيكلة القطاع من منطلق الخبرة والمساهمة لا غير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.