بقلم الموسيقار : د. محمد القرفي بين الوقاحة والصراحة بون شاسع «كبعد الارض عن جوّ السماء». فالصراحة هي قول الحق، والحق من شيم الكرام عملا بقول الله تعالى: «والحق أقول. لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين (22، ص، 38) ثم بحديث النبي الكريم: «قل الحق ولو كان مرّا». والوقاحة هي من صفات الرعاع وسقط المتاع ومن كان العرب القدامى يشبهونهم ب «العرجاء والنطيحة وما خلّفه الضبع». وهؤلاء هم الداصة والهجناء والغبراء الذين يجادلون بغير علم وصحّ فيهم ما نزل في الكتاب العزيز: «ان الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه (56، غافر، 40). ومن الوقاحة ما قتل. فهنالك من أوهم نفسه ومن لف لفّه أن أمه ولدته فوق كرسي مدير وفطمته شهدا بملعقة من ذهب فاعتقد في دوام الحال ولم يفهم أن ما آل اليه ليس الا مجرد عثرة حادثة ارتكبها الزمن خطأ في حق الدنيا وهي كما يقول صديقنا علي اللواتي من علامات قيام الساعة. ونرى في ذلك مثل الرئيس المخلوع الذي صدّق انه تولى الخطة بأمر الله لأنه الأفضل والأعلم والأقوى وأنه من الطبيعي ان يدوم في سدة الحكم حتى الموت وأن ينتقل كرسيّه من بعده الى ابنه مرورا بالأوصياء على عرشه: زوجته الثانية وآلها وصحبها أجمعين. ويبدو أن الرجل نسي أن الفضل في وصوله الى هذا الشأن يعود بالأساس الى زوجته الأولى ابنة الجنرال التي لولاها لما دفعه أبوها في سلك الإدارة العامة وسانده بعلاقاته الوظيفية وصداقاته الاجتماعية حتى وصل الى ما كان فيه من رتب في أجهزة الدولة. ومثل المخلوع كثيرون ممن كانت مصاهراتهم سببا في صعودهم المفاجئ دون فضل ولا حق فأخطؤوا في حق أنفسهم وفي حق الآخرين حتى توهّموا أنهم الأحسن فغلطوا وتنمّروا. ونرى البعض «يتنمرون» بكل وقاحة في المشهد الثقافي متشبثين بمكاسب لا حق لهم فيها وآخرين يكتبون على صفحات الشبكة الالكترونية ولا يتجرؤون في الحياة الدنيا على الظهور برأيهم فيقدّمون أنفسهم ضحايا غيرة الآخرين من مستواهم العلمي المرموق ورؤاهم التقدمية والحال انهم لا يزيدون على من تقدّم الا بالصبر. والحيّة لا تلد الا الحيّة. فهؤلاء تعلموا ان يقضوا جل أوقاتهم امام الحاسوب بدعوى الحداثة يتدخلون فيما لا يعلمون ولهم قول في كل شيء. وكما يقول المثل الشعبي: «ما تعلّمنا على الأكابر كان غسيل يديهم». فنحن لم نسمع منهم بطريق هذه التكنولوجيا الحديثة ابتكارات كما يدّعون بل تكرارا لنماذج وصيغ قيلت هنا وهناك وفي ثقافات مختلفة واستحواذ قوالب فنية توهّموا أنها صارت من ابداعاتهم،. كيف لا وقد اصبحت السرقة مشروعة على قارعة الطريق؟ ان وضعهم الفني المتصدّع لأحسن دليل على هزال مخزونهم السمعي وعدم اطلاعهم على ما يُبدع في أنحاء العالم بمختلف الوسائل الفنية والعلمية فهنيئا لهم بهذا الفراش الوثير. أما الفصاحة فهي محور المعاني والبيان وهي صفة تكون في الكلام والمتكلم لا يمتلكها غير أولي الألباب من أصحاب المعرفة والمنطق السليم المطبوعين على البلاغة. ومما يروى عن فصاحة العرب ان شريك بن الأعور وكان عاملا على فارس دخل على معاوية بن أبي سفيان وكان شريك دميما فقال له معاوية: إنك لدميم والجميل خير من الدميم وإنك لشريك، وما لله من شريك وإن أباك لأعور، والصحيح خير من الأعور. فكيف سُدتَ قومك؟ فأجابه: إنك معاوية، وما معاوية الا كلبة عوت فاستعوت الكلاب، وإنك لابن صخر، والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن أميّة، وما أميّة إلا أمّة صغيرة. فكيف صرتَ أمير المؤمنين؟