عقدت حركة النهضة مساء السبت المنقضي ولأول مرة بحمام سوسة ندوة سياسية بعنوان «حركة النهضة والواقع السياسي ما بعد الثورة» قدم فيها السيد عبد الكريم الهاروني الكاتب العام لمنظمة «حرية وانصاف» وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة المكلف بالشباب مداخلة مطولة حول التوجهات العامة للحركة وبعض التوضيحات الأخرى. احتضنت هذه الندوة دار الثقافة «علي الدوعاجي» التي غصت بعدد كبير من الحاضرين. كما تم تركيز مضخم صوت في الساحة الخارجية للدار. مبادئ برتبة ردود أكد السيد عبد الكريم على المسيرة النضالية لحركة النهضة ودورها الريادي في تعرية الحقائق والتشهير بمظالم النظام الحاكم المستبد بتونس مضيفا «عندما كنا نخرج تقارير وفضائح بن علي يتهموننا بأننا غير وطنيين وهناك من يتهمنا بأننا لو نمسك الحكم سوف نتخلى عن الديمقراطية. وتغافل هؤلاء عن حقيقة من لم يتسلموا الحكم بعد وبدأوا في ممارسة الاستبداد من الآن تونس خسرت الكثير بغياب النهضة والأكيد أنها ستربح الكثير برجوعها فلسنا بائعو كلام فنحن نقدم برامج لا شعارات فحاسبوننا على برامجنا وان لم نقنعكم لا تنتخبوننا». لا للاقصاء حول علاقة حركة النهضة ببقية الاحزاب اعتبر السيد عبد الكريم «النهضة لم تسع الى احتكار الحكم» وأنها منفتحة على مختلف الآراء مستدلا بمحاولة الحركة امضاء نصوص مع العلمانيين في فترة ما قبل الثورة تخص المرأة وحرية المعتقد والدولة الديمقراطية مضيفا «نحن نسع الى البحث عن قواسم مشتركة مع مختلف التوجهات والآراء نحن ضحايا الاقصاء فكيف نمارس الاقصاء ولكن لن نسمح في المقابل للآخر باحتكار الرأي... بن علي زرع أحقادا ودورنا نزعها ولا زرع أحقاد جديدة.» المرأة ركيزة أساسية على عكس اللقاء الأول لحركة النهضة المنعقد يوم 20 مارس، بأحد الفضاءات الخاصة بمنطقة حي العوينة بسوسة وبحكم خصوصية تلك المنطقة وذلك اللقاء فإن النساء الحاضرات خيرن الجلوس من الخلف وبقي أزواجهن في الصفوف الأمامية وكانت الوضعية تلقائية وطبيعية فإن حضور المرأة في حمام سوسة كان مكثفا جدا سواء من المتحجبات أو غيرهن ومن مختلف الأعمار وجلسن في مختلف المقاعد بصفة عادية دون تفرقة أو تمييز ولعل الصورة التي تم تناقلها في ال«فايس بوك» حول اجتماع 20 مارس أثارت السيد عبد الكريم حيث عرج قائلا: «سوف أشير الى مسألة ليس من باب الرد ولكن للتوضيح انظروا حضور النساء في القاعة ونحن نفتخر أيضا بأن عدد الطالبات في الجامعة أكثر من الطلاب وهذه نقطة قوة لأن المرأة المتعلمة الملتزمة بدينها تعتبر حارسا أقوى من البوليس وسندا منيعا لحماية المجتمع فنساء حركة النهضة ناضلن طويلا وحوكمن في قضايا سياسية وهذا شرف للنهضة ولتونس فالمرأة «النهضوية» وضعت في زنزانة انفرادية وعذبت فلا يعقل أن يصبح مركز الاهتمام حول أمور جانبية ونبتعد عن الجوهر ويصبح الحديث عن مجلة الأحوال الشخصية وكأنها مهنة يمتهنها البعض فهذه المجلة صنعها شيوخ الزيتونة فردوا النص الى أصله فنحن مع مكاسب المرأة وسنضيف لها مكاسب أخرى ومن يقول عكس ذلك فقد عقله فنحن نطمح الى تطوير هذه المجلة نحو الأرقى ولا تعقدنا مثل هذه الافتراءات التي تريد أن تشكك البعض في توجهاتنا ومبادئنا بكلام مجتر منذ عشرات السنين». مآخذ...! وجه السيد عبد الكريم في مداخلته العديد من المآخذ على الحكومة المؤقتة خاصة المتعلقة بعدم الاستشارة والانفراد بالقرار على حد تعبيره دون مشورة مختلف الأطياف السياسية والمجتمع المدني مثل تعيين الوزير الأول السيد الباجي القائد السبسي اضافة الى الضبابية المسيطرة على هذه الحكومة منها القرارات في خصوص تعيينه الولاة أو المعتمدين وتباطئ الاجراءات في نصوص ادانة وجوه أضرت بالبلاد مضيفا: «هل من المعقول حكومة تجيب المواطن بمصطلحات ما قبل «لا نعرف وخاطينا»، لقد أصبحنا سجناء بمصطلحي «براكاج وديڤاج!». كما انتقد السيد عبد الكريم وسائل الاعلام التونسية المرئية منها في ظل تواجد نفس الوجوه التلفزية التي كانت تمدح وتناشد الرئيس المخلوع على حد تعبيره واعتبر أن في ذلك اهانة للمواطن وعدم احترام داعيا الى الالتزام بالنزاهة والسلوك الحضاري مستنكرا حضور بعض الوجوه على الساحة الراكبين على الثورة وينصبون أنفسهم باسم الشعب في وقت كانوا موالين للحكم السابق. المحاكمات أكد السيد الهاروني أيضا على مطالبة حزب حركة النهضة بالتحقيق في جرائم القتل والسرقة لا في مدة حكم المخلوع بن علي فحسب بل وأيضا خلال فترة حكم بورقيبة، والمطالبة بتوجيه تهمة مجرم في حق الانسانية للرئيس الفار بن علي ومحاكمته في تونس في أقرب الآجال مضيفا: «لابد من انصاف المظلومين بالقانون ولا بعقلية التشفي والانتقام فالحقد يعمي على الحق فقد ماتت أمي وأنا في السجن ولم أكن حاقدا في أي يوم من الأيام». الانتاجية والأرقام المزيفة! اعتبر السيد عبد الكريم أن الكفاءات أمر ضروري ولكن غير كاف متسائلا عن نتائج لجنة البحث في الانتاجية والتي نص عليها الرائد الرسمي والتي بقيت مجمدة مضيفا: «نحن نعمل دون مقاييس للانتاجية بحكم أن الخبراء كانت تفرض عليهم أرقام مزيفة لا تمكنهم من معطيات دقيقة لضبط استراتيجية اقتصادية دقيقة وناجعة لذلك لابد من ارادة سياسية للاصلاح معتمد على الشفافية بعيدا عن الوعود الكاذبة والشعارات والتمويلات والمشاريع المشبوهة فلا بد أن ترجع للسياحة مكانتها ولمختلف المجالات الاقتصادية في البلاد.» «مورو» بين التوظيف والاضافة! عرج السيد الهاروني على السيد عبد الفتاح مورو مثمنا مكانته مضيفا: «هو صاحب رأي وخبرة اختلف في بعض الآراء مع حركة النهضة فجمد نفسه ولم نطرده ونشهد له بتمسكه بمبدأه لأنه لم يلتجئ الى الموالاة لبني علي ومن حاولوا دفعه الى ذلك لم ينجحوا». واعتبر أن فسح مساحات اعلامية له ليس بالأمر البريء سببه خلق انشقاق وفتنة في الحركة مضيفا: «ما يحدث مع مورو هو نقطة لصالحنا والحركة أكبر من هذه الممارسات ونحن لا نخاف من الرأي المخالف بل سنشارك فيه ومن الطرائف أن بورقيبة كان معجبا بمصطفى أتاتورك وبالعلمانية التي فرضت بالبوليس وحركة النهضة معجبة بتجربة العدالة والتنمية في تركيا ذهب بورقيبة وبقيت حركة النهضة وجاءت الثورة فذهب التجمع وبن علي وعادت حركة النهضة.» لا أحزاب في المساجد اعتبر السيد الهاروني ان المسجد هو القلب النابض للمجتمع الاسلامي «يعبد فيه الله بدون أصنام ونحن كنا تحت حكم الأصنام فلا أحزاب داخل المساجد ولا ندعو الى افتكاك المنابر ولا نسمح لأنفسنا التكلم باسم «النهضة في المساجد مثلما لا نسمح بوجود أي حزب آخر في المساجد وان كان الاختلاف حول امام فلابد من تغييره بطريقة متحضرة فنجاح الثورة لم يكن تحت اسم أي حزب أو شخص نجحت بالتعاون والرد على الافكار يكون بالافكار ولا بالعصي لا مجال لبناء عنف جديد.» الحمامية «يتبرؤون من بن علي» خلال فترة النقاش اشتكت إمرأة من الأحكام المسبقة التي أصبحت مسلطة على «الحمامية» (سكان حمام سوسة) قائلة: «أصبحت مقولة أنت حمامي سارق متداولة حتى في الأسواق نتاج للصورة المشوهة التي صنعها المخلوع فنحن ك«حمامية» لا يشرفنا الرئيس الفار ونتبرأ منه فرجاء لا تحاسبوننا بأخطائه وجرائمه». الحجاب «موش مشكل»! أثار أحد المتدخلين مسألة الحجاب مستفسرا السيد عبد الكريم حول موقفه عندما سلمته فتاة غير متحجبة باقة ورد تبسم السيد الهاروني وأثناء ردوده صرح قائلا: «ليست لدينا مشكلة مع الحجاب» واستدل في آخر الندوة عندما تقدمت فتيات منهن غير متحجبات للغناء قائلا «هذا أبلغ دليل على موقفنا من المرأة». «ومن يخاف منا هو في الحقيقة يخاف من نفسه».