٭ بقلم: محمد اليسير (سفير رئيس الوفد التونسي في مفاوضات «الشريك المتقدم» مع الاتحاد الأوروبي) وفي انتظار التعيينات، فإن القائمين بالأعمال بالنيابة في مراكزنا الديبلوماسية مكلفون بإنارة شركائنا حول أهداف الثورة والدفاع عن مصالح بلادنا، لكن الجميع يعلم أن دور السفير المعتمد والمركز الذي يحتله في بلد الاعتماد وفرص الالتقاء بالمسؤولين والنخب المتاحة له لا تتوفر للقائم بالأعمال بالنيابة وهو ما يؤكد ضرورة تنقل مبعوثين خاصين للتعريف بثورتنا وإبلاغ مشاغلنا لدى الأشقاء والأصدقاء، إضافة إلى تطمين بعضهم بأننا لسنا مصدرين لمنتوج اسمه الثورة. وهناك ملفات دقيقة مطروحة حاليا على الأصعدة الثنائية والإقليمية والدولية ينتظر أن يساهم سفراؤنا في معالجتها وإيجاد الحلول لها ومن ضمنها استعادة الأموال المنهوبة التي تحتم علينا طرق جميع الأبواب ومن ضمنها منظمة الأممالمتحدة طلبا للمشورة وسعيا وراء الجمع بين وسائل التظلم القانونية والسياسية. كذلك يتعين تفعيل بعض الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية المتعلقة بمواضيع الهجرة والتشغيل والتنمية. فهلا نظرنا من جديد في الاتفاق المبرم مع فرنسا سنة 2008 حول «التصرف المشترك في الهجرة والتنمية المتضامنة» بالدعوة إلى اجتماع عاجل للجنة التسيير المشتركة التي لم تلتئم منذ أوائل السنة الماضية للنظر في كيفية الاستفادة المثلى من حصة تشغيل العملة والكفاءات التونسية المقدرة بتسعة آلاف شخص كل سنة. ألسنا في حاجة الآن أكثر من أي وقت مضى لمثل هذا الإطار القانوني مع دول صديقة أخرى والحال أننا نعاني من أزمة تشغيل خانقة؟ وينتظر من ناحية أخرى أن تعيد بلادنا في توزيع تمثيلها الديبلوماسي وأن تعزز حضورها في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التي توفر أسواقا هامة وفرصا للتموقع خارج فضائنا التقليدي. كما أن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لبلوغ «مرتبة الشريك المتقدم» والتي توقفت المفاوضات بشأنها، تتطلب إعادة النظر في بعض بنودها في ظل ما أتت به الثورة. غير أن توقف المفاوضات يطرح عديد التساؤلات خاصة أن البنود التي بقيت عالقة تهم أساسا مواضيع حقوقية وسياسية تم فضها آليا بمفعول الثورة. وكان باستطاعة الاتحاد الأوروبي أن يحسم معنا هذا الموضوع غداة الثورة تعبيرا عن مساندته الفعلية لمسار تونس الجديد وإقرارا بأهلية بلادنا لبلوغ مرتبة الشريك المتقدم. فهل نوظف المراسيم التي صدرت غداة الثورة بخصوص العفو التشريعي العام والمحكمة الجنائية الدولية (منظومة روما) والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، هل نوظفها بصفتها مطالب ملحة للجانب الأوروبي في مفاوضات «الشريك المتقدم» لكي نحصل على هذا الامتياز قبل الانتخابات المقبلة؟ وهناك ملف آخر يتعلق بالتعاون الاورومتوسطي، المعروف سابقا بمسار برشلونة، الذي تميزت فيه ديبلوماسيتنا قبل سنوات باتخاذ مواقف ومبادرات جعلتها محط أنظار واهتمام نظيراتها في المنطقة. هذا الفضاء الذي تحول الى «اتحاد من أجل المتوسط» قد يؤسس، رغم المخاض العسير والتبعات السياسية التي يعاني منها، لتعاون اقتصادي وثقافي مثمر يمكن لبلادنا، بصورتها الجديدة الناصعة، أن تلعب فيه دورا رياديا ينتظره شركاؤنا في المنطقة ولمَ لا في منصب أمين عام الاتحاد... وحري بنا أن نتذكر حضورنا الديبلوماسي المكثف خلال السبعينات والثمانينات حين كانت شخصيات تونسية مرموقة على رأس منظمات ومؤسسات عربية وإسلامية وإفريقية مثل الشاذلي القليبي في جامعة الدول العربية والحبيب الشطي في منظمة المؤتمر الإسلامي والشاذلي العياري في المصرف العربي للتنمية الاقتصادية بإفريقيا الى جانب مبادراتنا السياسية ومواقفنا الشجاعة إزاء القضية الفلسطينية. ولعل القرار الذي أصدره مجلس الأمن في أكتوبر 1985 لشجب إسرائيل إثر عدوانها على حمام الشط، وهو ما لا يحدث إطلاقا في هذا المنبر من جراء حق النقص، لخير دليل على الكفاءة الديبلوماسية العالية في بلادنا، وقد كلفت شخصيا بالتفاوض مع مندوبي الأعضاء في المجلس لاستصدار هذا القرار بهدي من ديبلوماسيين عريقين لا يفوتني هنا أن أشيد بهما وهما نجيب البوزيري الذي كان آنذاك الممثل الدائم لتونس لدى الأممالمتحدة والباجي قائد السبسي وزير الشؤون الخارجية الذي أثبت حينها أن الإنجاز لا يقاس بحجم البلدان وإنما بحنكة وصلابة عودها فهل سيكشف المستقبل القريب عن العودة القوية للديبلوماسية التونسية بعد أن زالت العوائق التي كبلتها طويلا؟.