بلدية تونس تنظم يوما مفتوحا لتلقيح الحيوانات مجانا ضد داء الكلب في هذا الموعد    تطورات في الوضع الجوي...الحماية المدنية تقدم جملة من التوصيات    عاجل: انفجارات وتحليق طائرات مسيرة فوق سفن أسطول الصمود في محاولة لتدميرها!    ماتش ساوتومي × المالاوي في الملعب الأولمبي بسوسة : وقتاش ؟    كرة اليد: الصحبي نشبة يمضي للشمال القطري    عاجل: ورقة ال20 دينار تهيمن على التداول النقدي في تونس    صادم للتونسيين : أرباح القصابين في الكيلوغرام الواحد من اللحم تصل إلى 34 دينارا    الدورة الثانية للصالون المهني للصناعات التقليدية من 6 الى 12 اكتوبر المقبل بقصر المعرض بالكرم    حقك مضمون: الشركة ملزمة بتوفير ضمان مالي قبل ما تخدّمك    كارثة جوية كانت قريبة في نيس! قائد الطيّارة التونسية ينقذ الموقف    مقترحات جديدة لقطاع الصحة: حوافز مالية وتقاعد مبكر... شنوّة الجديد؟    عاجل: ضربات أمنية موجعة في تونس...حجز أطنان من اللحوم والدواجن الفاسدة    عاجل: الأولمبي الباجي يواجه الترجي بدون المنتدبين الجدد وهذا هو السبب !    أمطار وصواعق: تونس مهددة بخلايا رعدية قوية ورياح تصل سرعتها إلى 80 كلم/س!    عاجل: تلميذ يطعن زميله داخل المعهد في سيدي حسين    رحيل أيقونة السينما كلوديا كاردينالي ... وماكرون: ''ستبقى في قلوبنا''    للأمهات : 5 أطعمة رد بالك تحطهم لصغارك في اللانش بوكس    عاجل ومهمّ: لقاح روسي مضادّ للسرطان    منها التعرق وعسر الهضم : علامات تنذر بإصابتك بنوبة قلبية رد بالك تتجاهلها    تايوان: إعصار راغاسا يتسبب في سقوط ضحايا وجرحى    33 شهيدا في قصف إسرائيلي على غزة    اليابان تتحدث عن "موعد" الاعتراف بدولة فلسطين    الحماية المدنية : 440 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    كأس الرابطة الانقليزية : إيساك يسجل هدفه الأول مع ليفربول وطرد إيكيتيكي في الفوز على ساوثامبتون    عاجل: شنوّة صار في الإكوادور؟ عنف وحرائق مع بداية الإضراب    محرز الغنوشي: ''البشائر متواصلة اليوم والأمطار حاضرة بتفاوت في الكميات في هذه المناطق''    برشا تشويق في الرابطة: 4 ماتشوات في نفس الوقت وهذه أبرز المواجهات    البطولة الإسبانية : تعادل إسبانيول مع فالنسيا 2-2 وأتلتيك بلباو مع جيرونا 1-1    مبابي وفينيسيوس يتألقان في فوز ريال مدريد 4-1 على ليفانتي    العاصمة: قرارات إخلاء عاجلة ل248 بناية مهدّدة بالسقوط    ترامب يتوعد ABC بعد عودة الكوميدي جيمي كيميل إلى الشاشة: "ربما أربح أكثر هذه المرة"    الاربغاء: أمطار رعدية مع رياح قوية والحرارة في انخفاض طفيف    القصرين : إحالة موظف والاحتفاظ بمقاول في قضية تدليس    وزير السياحة يواكب المشاركة التونسية في معرض السياحة " توب ريزا " بباريس    وزارة الصناعة: محطة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية بولاية توزر سجلت تقدما في الأشغال بنسبة 75 بالمائة    ضبط ملفات "سرية" ووثائق "أسلحة دمار شامل" لدى بولتون    طيران مكثف للمسيّرات فوق أسطول الصمود واستهداف احدى السفن بقنبلة دخانية    وفاة أيقونة السينما العالمية كلوديا كاردينالي    عاجل: الموت يغيّب كلوديا كاردينال عن عمر ناهز 87 عاماً    القيروان .. تهاطل الغيث النافع بغزارة يبشّر بموسم فلاحي واعد    بحث التعاون لتعزيز الاستثمارات    الموت يغيّب الممثلة كلاوديا كاردينالي    انطلاق نشاط وحدة بنك الدم بالمستشفى الجامعي بسيدي بوزيد    مسرح الأوبرا يعلن عن فتح باب التسجيل في ورشات الفنون للموسم الثقافي الجديد    تظاهرة "الخروج إلى المسرح" في دورتها السادسة تحمل اسم الراحل الفاضل الجزيري    على متنها 3000 سائح...سفينة كوستا كروازيار ترسو بميناء حلق الوادي    عاجل : هذا هو موعد شهر رمضان 2026 فلكيا    أوت 2025: شهر قريب من المعدلات العادية على مستوى درجات الحرارة    عاجل/ أمطار غزيرة و"تبروري": أعلى مستويات اليقظة اليوم بهذه المناطق..    عاجل/ "كوكا، زطلة وأقراص مخدرة": أرقام مفزعة عن حجم المخدرات المحجوزة في تونس..    يا توانسة.. هلّ هلال ربيع الثاني 1447، شوفوا معانا دعاء الخير والبركة الى تدعيوا بيه    وزارة الصحة تطلق أول عيادة رقمية في طب الأعصاب بالمستشفى المحلي بالشبيكة بولاية القيروان    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الإعلامي محمد الكيلاني في أمسية أدبيّة بسوسة...غادرت التلفزة واتجهت إلى الكتابة لغياب التحفيز والإنتاج    المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    استراحة «الويكاند»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة بين الإفلات من العقاب وتجاذبات المحاسبة والمصالحة
نشر في الشروق يوم 13 - 04 - 2011


بقلم : محمد الشريف الجبالي(حقوقي)
لقد كان يوم 17122010 يوما فارقا في تاريخ تونس المعاصر، فمن كان يتصور أن حرق البوعزيزي لنفسه إثر حادثة تبدو في ظاهرها بسيطة مقارنة بما عاناه غيره على مدى عشريات كاملة من صنوف الجرائم التي ترتقي الى مستوى جرائم ضد الانسانية من قتل وتعذيب ممنهج وهتك أعراض...إلا أنها ولدت رد فعل غير مسبوق وغير متوقع تجاه اعتداء سلط عليه من طرف أفرا د السلطة العامة، فعوض أن يرد الفعل ضد من اعتدى عليه وجه مخزون الغضب والقهر الكامن فيه تجاه نفسه، وهو ما ينم عن نفسية غير عدوانية لدى هذا الشخص الذي دخل ملحمة التاريخ العالمي وليس التونسي فحسب، لأنه أجج فتيل غضب بدأ لهيبها في الاشتعال ليتجاوز حدود ولاية سيدي بوزيد، ليشمل كل ولايات البلاد حتى انتهى الأمر بثورة شعبية انتهت بإسقاط النظام ومغادرة الرئيس المخلوع البلاد يوم 14012011 ثم لتتوسع دائرتها لتسقط نظام مبارك والبقية تأتي ولعل الأمر سيتسع ليقلب الأوضاع برمتها في كل أنظمة الاستبداد العربية ولم لا العالمية بعد أن برهنت التجربة التونسية ومن بعدها المصرية أن إرادة الشعوب لا تقهر.
وطبعا حاول النظام وأد هذه الثورة بالأسلوب المعهود المتمثل في القمع ليبدأ باستعمال العنف ضد المتظاهرين ثم الإفراط في استعمال القوة لينتهي به الأمر الى استعمال الذخيرة الحية ضد مواطنيه ليسقط عدد مهول من الشهداء والجرحى الذين لم يتم ضبط عددهم النهائي لحد التاريخ.
هذه الجرائم التي ارتكبت ضد شعب أعزل والتي لم تتم محاسبة مرتكبيها بشكل جدي والتي انحصر الحديث عنها بين أهالي الضحايا وبعض المهتمين بالشأن الحقوقي الذي ظلوا يطالبون وينتظرون اليوم الذي يرون فيه من قتل وحاول قتل كل هؤلاء الضحايا وهم يجرون الى المحاكم.
وقد طال الانتظار ولم نر لحد اليوم إيقافات أو تحقيقات ولا محاكمات لكل من استعمل أسلحة نارية بدم بارد بقصد القتل، ضرورة أن معظم الضحايا سواء كانوا من الشهداء أو الجرحى قد أصيبوا من طرف أفراد على درجة عالية من التدريب في استخدام الأسلحة صوبوها بكل دقة في أماكن قاتلة منها الرأس والرقبة والصدر، هؤلاء الأعوان الذين أطلق عليهم العموم اسم القناصة لم نلمس من الحكومة السابقة ولا الحالية ولا حتى من القضاء إرادة للكشف عنهم ومحاسبتهم، وانحصر الأمر في توجيه تهمة القتل العمد للرئيس المخلوع ولوزير الداخلية السابق رفيق الحاج قاسم والحال أنهم لا يمكن أن يكونا بحكم مسؤوليتهما سوى آمرين بالقتل، وهو ما يجرنا الى القول بأن السلسلة الكاملة التي تبتدأ بالتسلسل من الآمر الى المأمور مهما كانت صفته ودرجته لم يتم الكشف عنها رغم مرور ما يناهز الشهرين والنصف عن نجاح الثورة وهو ما يطرح أكثر من سؤال. فهل يعقل أن يتم الكشف والقبض على قاتل القص البولوني في ظرف قياسي رغم أنه لم يكن معلوما عند حدوث الواقعة ولم يتم الكشف لحد الآن ولو عن واحد من القناصة والقتلة رغم أن البعض منهم معلوم لدى أهالي الضحايا سيما بولايتي سيدي بوزيد والقصرين، هذا اضافة الى أن البعض الآخر منهم القي عليه القبض كما هو ثابت وموثق بصور بثتها القناة الفرنسية الثانية وتم تسليمهم لوحدات .
هذا فضلا عن أن لجنة تقصي الحقائق لم توافينا لحد اليوم بجواب هن هذا اللغز ولا أظنها قادرة على ذلك لعدم تخصصها بحكم عدم تشكلها من خبراء في الميدان، ولأن الأمر برمته يرجع لمأموري الضابطة العدلية الخاضعين لسلطة السيد وزير الداخلية الذي تكفي مجرد تعليمات منه لمنظوريه ليأتونا بهم أو على الأقل ليبينوا لنا ملابسات ما حدث فعلا ولا أخال أنهم عاجزين عن ذلك، كذلك للقضاء الذي هو سلطة قائمة بذاتها منحها القانون صلاحية فتح أبحاث من تلقاء نفسها خصوصا وأن الظرف الحالي بعدما شهدته البلاد من انفلات أمني أصبح يسمح بذلك وإلا فإنه يصبح من الجائز القول بأن هناك إرادة جماعية بعدم فتح هذا الملف وهو ما سيؤدي حتما الى إفلات الجناة من العقاب وهي تشكل في حد ذاتها جريمة بنظر القانون هذا فضلا عن أن التاريخ لن يغفر لنا ذلك على الأقل نحن رجال القانون.
ولأنه لا يمكن لأي ثورة في العالم أن تنجح دون محاسبة لكل من تورط في جرائم ترتقي الى مستوى جرائم ضد الانسانية سواء خلال فترة الثورة أو حتى الفترة التي سبقتها وهي محاسبة بالنظر للقانون الدولي لا يمكن أن تجابه بسقوط التتبع فيها بمرور الزمن، لذا فإنه يصبح لزاما علينا جميعا فتح ملف محاسبة كل من تورط في جرائم خطيرة كالقتل والتهذيب والاغتصاب وهتك الأعراض ولا يمكن أن ننسى كذلك كل من نهب وسرق وأثرى بطرق غير مشروعة مستغلا منصبه أو نفوذه ، لننهي حقبة سوداء من تاريخ بلادنا ونؤسس بناء سليما لغد أفضل بدون أحقاد وضغائن وهو ما يجنب البلاد الانتقام والثأر وهو باب ان فتح سيجهض حتما ثورتنا لأنه سيدخل البلاد في المجهول.
غير أن الاشكال الذي يطرح يتمثل في الآليات التي يجب اتباعها لتحقيق هذا الهدف، هذا الأمر يرجعنا حتما الى المنظومة القانونية ببلادنا، ولنا ترسانة من القوانين التي يمكن أن ننطلق منها لمحاسبة من أجرم في حق البلاد والعباد في اطار محاكمات تراعى فيها كل مواصفات المحاكمة العادلة حتى وفق المعايير الدولية، يبقى أن نحصر الجرائم التي يجب أن تخضع للتتبع والمحاكمة لأنه لا يعقل منطقا ونحن خارجين من ثورة أن نهدر وقتنا الذي يجب أن نكرسه في بناء البلاد من جديد والنهوض بها في محاكمات لا طائل منها، ولنا في البلدان التي عاشت ثورات أو خرجت من حروب تجارب يمكن أن نستلهمها إذ ودون فتح بحث أكاديمي لا يسعه هذا المقال القول بأن الأمر لا يمكن أن يخرج عن مقاربة بين مفهومين متلازمين هما المحاسبة والمصالحة.
فالمحاسبة تطال كل من يثبت تورطه في جرائم ترتقي الى مستوى جرائم ضد الانسانية أو جرائم مالية خطيرة سواء ارتكبت أثناء الثورة أو قبلها ولو تطلب الأمر الرجوع لكل فترة حكم بن علي أي ابتداء من سنة 1987 وهذه الجرائم يتعهد بها القضاء أما دون ذلك من جرائم فيمكن أن يدخل في باب المصالحة ولكن بشروط، ولنا في تجربة جنوب إفريقيا بعد أن خرجت من نظام الميز العنصري خير مثال، إذ أن محاكمة مجرمي نظام الميز العنصري الذي كان سائدا في البلاد الى حدود سنة 1993 لم يتم النظر فيها أمام المحاكم العادية بل تم تكوين لجنة خاصة أطلق عليها اسم لجنة العفو يشرف عليها قضاة ولا تكون الغاية من هذه المحاكمات العلنية تتبع هذا الصنف من المجرمين وإنما تحقيق نوع من المصالحة بين المجرم والضحية أو أهله، وذلك بأن يعترف المجرم بشكل تفصيلي بما ارتكبه من أفعال مقابل حصوله على العفو مع اضافة شخصية أرى أنه لا بد من توفرها وهي أن يتقدم المذنب من تلقاء نفسه للجنة قبل أن تقدم ضده شكوى أو تطاله الأبحاث وهذا العفو يعفيه من التتبع الجزائي دون التأديبي الذي يعني الفصل من الوظيفة وهو أقل عقاب يجب أن يناله، وهذا أمر بديهي لأن الأقصى على الضحية ليس بقاء المذنب حرا طليقا وإنما احتفاظ الأخير بمركزه ونفوذه وامتيازاته.
وبتحقق هذا الأمر يمكن طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة ترسي قيم إنسانية جديدة تضمن جميع حقوق المواطنة وفق المعايير القانونية الوطنية والدولية المنصوص عليها بجميع لمواثيق الدولية، حينها فقط يمكن الحديث عن نجاح ثورة شعبنا، لأن إسقاط نظام الحكم وحده لا يعني في حد ذاته نجاحا خصوصا إذا علمنا من التجارب السابقة أن واحدة فقط من عشرة ثورات تحقق أهدافها أما البقية فيتم الالتفاف أو الانقلاب عليها لينتهي الأمر باسقاط نظام شمولي واستبداله بما هو أفسد منه ولنا في تجربة 7 نوفمبر خير دليل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.