61 حالة وفاة بسبب الحرارة الشديدة في تايلاند    ملف الأسبوع .. يجب الذود عن حماه والدفاع عنه...الوطن فى الإسلام !    وزير أملاك الدولة: تصفية بعض عقّارات الأجانب أمر صعب    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    نحو إنجاز مشروع جديد خاص بالشبكة الحديدية السريعة ..وزارة التجهيز توضح    سليانة: الأمطار الأخيرة ضعيفة ومتوسطة وأثرها على السدود ضعيف وغير ملاحظ    التهريب وموقف الإسلام منه    بسبب خلاف مع زوجته.. فرنسي يصيب شرطيين بجروح خطيرة    أخبار النادي الافريقي ..تغييرات في التشكيلة والكوكي يُعوّض الكبيّر    أخبار النادي الصفاقسي...عزم على تأكيد الصّحوة    أنس جابر في دورة روما الدولية للتنس : من هي منافستها ...متى و أين ؟    نادي ليفربول ينظم حفل وداع للمدرب الألماني يورغن كلوب    الكشف عن توقيت مباراة أنس جابر و صوفيا كينين…برنامج النّقل التلفزي    طقس الجمعة: امطار متفرقة بهذه المناطق    اليوم: طقس ربيعيّ بإمتياز    تسجيل 10 وفيات و396 مصاب خلال 24 ساعة في حوادث مختلفة    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    دراسة تكشف...الفوضى ... ثقافة مرورية في تونس !    اليوم «السي .آس .آس» «البقلاوة» والمنستير الإفريقي...معركة مفتوحة على المركز الثاني    بلاغ هام للنادي الافريقي..#خبر_عاجل    قوات الاحتلال تمنع دخول 400 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة..#خبر_عاجل    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين على سفينة في خليج عدن عبر زورق مسلحين    مدنين.. مشاريع لانتاج الطاقة    بنزرت...بطاقة إيداع بالسجن في حق عون صحّة والإبقاء على 5 بحالة سراح    المهدية .. تم نقلهم إلى المستشفى لتلقّي العلاج.. إصابة 5 تلاميذ في حادثة رشق حافلة بالحجارة    بلا كهرباء ولا ماء، ديون متراكمة وتشريعات مفقودة .. مراكز الفنون الدرامية والركحية تستغيث    أحمد العوضي عن عودته لياسمين عبدالعزيز: "رجوعنا أمر خاص جداً"    شركات تونسية وأجنبية حاضرة بقوة وروسيا في الموعد...صالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس يصنع الحدث    اتحاد الفلاحة: لوبيات القطاع سيطروا على الميدان    ولي يتهجم على أعضاء مجلس التأديب بإعدادية سهلول...القضاء يتدخل    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    ممثلة الافلام الاباحية ستورمي دانيلز تتحدث عن علاقتها بترامب    صفاقس: الشركة الجهوية للنقل تتسلم 10 حافلات مزدوجة جديدة    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    اليوم: تصويت مرتقب في الأمم المتحدة بشأن عضوية فلسطين    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    حالة الطقس اليوم الجمعة    بعد معاقبة طلاب مؤيدين لفلسطين.. رئيسة جامعة كورنيل الأمريكية تستقيل    نبات الخزامى فوائده وأضراره    المرسى: القبض على مروج مخدرات بحوزته 22 قطعة من مخدّر "الزطلة"    استدعاء سنية الدّهماني للتحقيق    أولا وأخيرا...شباك خالية    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    تونس تفوز بالمركز الأول في المسابقة الأوروبية لزيت الزيتون    اللغة العربية معرضة للانقراض….    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سابقة.. محكمة مغربية تقضي بتعويض سيدة في قضية "مضاعفات لقاح كورونا"    دراسة صادمة.. تناول هذه الأطعمة قد يؤدي للوفاة المبكرة..    مفزع: 376 حالة وفاة في 1571 حادث مرور منذ بداية السنة..    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    تونس تستقطب استثمارات خارجية بقيمة 517 مليون دينار خلال الثلاثي الأول من 2024    الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج – كلاسيكو الجولة السابعة) : الترجي للابتعاد بالصدارة والنجم لاعادة توزيع الاوراق    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا إقصاء...إلا بصناديق الانتخاب
نشر في الشروق يوم 16 - 04 - 2011

بقلم جمال خماخم (عضو برلمان افريقيا ورئيس مجموعة برلمانيي شمال افريقيا سابقا)
لقد تضمن مشروع مرسوم انتخاب المجلس التأسيسي في فصله الخامس عشر إقصاء كل من تحمل مسؤولية في الحكومة أو في التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل على مدى23 سنة الأخيرة وكل من ناشد الرئيس المخلوع بتجديد ولايته، وان هذا المقترح يعد سابقة خطيرة ان تم إقراره نهائيا وينذر بتسميم المناخ الاجتماعي وتفكيك الوحدة الوطنية واحداث الفرقة والتباغض والقطيعة بين أفراد المجتمع التونسي ونسف أهداف الثورة والانزلاق بالبلاد الى ما لا تحمد عقباه.
وان المتفحص لهذا المقترح من جميع أوجهه يقف على تضاربه بصفة صارخة مع أقدس حقوق الانسان وهي الحقوق السياسية والمدنية التي قامت من أجلها الثورة، ورغم ما تميزت به مرحلة الانتقال ما بعد الثورة من عديد نقاط الضعف في ما يتعلق بجانب شرعية حوكمة المسار السياسي الحالي باعتبار أنه بعد إلغاء دستور 1959 وحل مجلسي النواب والمستشارين وتجاوز تاريخ 15 مارس2011 لم تبق أي شرعية لأحد وقد «أسندت» شرعية«انتقالية» لرئيس الجمهورية المؤقت من خلال قرار«اجتهادي وتوافقي» تم اتخاذه لاجتناب الفراغ الدستوري وأملا في دفع المسار الاصلاحي في اتجاه تحقيق الأهداف التي ضحى من أجلها شباب تونس.
وفي هذا الاطار الشرعي«المؤقت» و«الظرفي» تمثل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في تركيبتها النهائية نوعا من التسوية الوفاقية بين السلطة الانتقالية الحالية ومجموعة أحزاب وشخصيات لا يمكنها بأي حال من الأحوال ادعاء تمثيل الإرادة الشعبية لاسيما أن الشخصيات لا تمثل الا نفسها والأحزاب لا تعرف بعد مدى تمثيليتها للشعب وان هذه الهيئة استشارية لا تملك لا التمثيلية الفعلية لجميع أطياف المجتمع التونسي ولا الشرعية القانونية اللتين من شأنهما أن تمنحاها سلطة تخول لها البت في أحقية المواطنين بالتمتع بحقوقهم السياسية والمدنية من عدمها، كما لا يحق لها ولا شيء يؤهلها للإدعاء بالتعبير عن الرأي العام علما بأن أعضاءها لم يصنعوا الثورة بل ركب أغلبهم صهوتها بحجة الدفاع عن مصالح الشعب وخاصة الشباب صانع الثورة الوحيد والحقيقي والذي لم يمنحهم أيا من الصلاحيات التي استولوا عليها بطريقة غير ديمقراطية،
الا أن انحراف هذه اللجنة عن الأهداف التي بعثت من أجلها وتعمدها إقصاء فئة هامة من التونسيين والتونسيات بصفة غير شرعية يعتبر من الجانب القانوني تسليط عقوبة جماعية عمياء وهو ما تدينه كافة القوانين والاعلانات والمواثيق والأعراف الدولية المتعلقة بحماية حقوق الانسان فضلا عن كون مثل هذا القرار يجرد أعمال الهيئة العليا لحماية الثورة من مصداقيتها كاملة.
كما أن هذا الاقصاء يكرس ممارسات قهرية خارج إطار القضاء وهو كما كتب الدكتور خالد شوكات(الشروق 13 أفريل 2011 ص6) لا يصادر فحسب حق الشعب التونسي في أن يمارس «الاختيار الحر» بنفسه مباشرة كما يفترض ذلك مبدأ «السيادة الشعبية» الذي هو أول مبادئ الديمقراطية بل يتعدى أيضا على حق السلطة القضائية المستقلة في ممارسة وظيفتها وتحديد «المجرم» من «البريء» و«المذنب» من«المشتبه فيه» فمن الناحية القانونية، فان القضاء وحده الذي يملك صلاحيات إصدار الأحكام التي يترتب عنها تجريد المواطن من حقوقه السياسية والمدنية وأما من الناحية السياسية فان أمر«الإقصاء» لا يجيزه الا صندوق الاقتراع وبالتالي فإن مقترح الاقصاء الذي تقدمت به الهيئة المذكورة يقوم على باطل مما يحكم بالتالي ببطلانه.
ولا يمكن لأحد أن ينكر بأن تونس تحتضن عددا كبيرا من المواطنين والمواطنات النزهاء والشرفاء وذوي الأيدي البيضاء ممن انخرطوا عن حسن نيّة في «التجمع الدستوري الديمقراطي» المنحل وتحملوا مسؤوليات مضنية خدمة لتونس وكثيرون منهم اكتشفوا أسماءهم في قائمات المناشدة دون سابق اعلام أو إنذار وكل هؤلاء وطنيون من أبناء الشعب لا يقلون وطنية ولا نظافة أخلاقية ولا شرفا عن الذين يحاولون إقصاءهم تسلطا وتشفيا.
ولمن خانتهم الذاكرة نذكر بأن جل الشعب التونسي بكافة مكوناته وأطيافه ساند لمدة سنتين على الأقل إعتلاء الرئيس المخلوع سدة الحكم فتم إمضاء «الميثاق الوطني» من جميع الأطراف كما تمت تسمية رموز المعارضة آنذاك في مسؤوليات وطنية من ذلك تسمية الدكتور سعد الدين الزمرلي، الرئيس السابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وزيرا للصحة والدكتور حمودة بن سلامة وزيرا للشباب والرياضة والفقيد المرحوم الأستاذ محمد الشرفي وزيرا للتربية والتعليم العالي والبحث العلمي لمدة خمس سنوات والفقيد المرحوم الأستاذ الدالي الجازي في عدة خطط سامية فضلا عن التفاف كل أطياف المعارضة حول السلطة خلال الحقبة الأولى من تولي بن علي الحكم حتى أن أحد رموز المعارضة قال آنذاك«إيماني قوي بالله وببن علي» والقائمة في هذا المجال قد تطول.
وإنه مما لا شك فيه أن المساءلة والمحاسبة العادلة لكل من ثبت إجرامه في حق الشعب التونسي والوطن أمر متأكد ومشروع لا نقاش ولا جدال فيه ولا محيد عنه وذلك قطعا مع الاستبداد وتغييب إرادة الشعب وتركيزا لبناء نظام ديمقراطي سليم لكن لا يجوز بأية حال من هذا المنطلق مصادرة حقوق الناس الأساسية مالم تثبت ضدهم أفعال تدينهم أمام القضاء، فلا ظلم بعد الثورة ولا ولن نحكم تونس بعد اليوم الا بشكل توافقي وبمشاركة جميع أبنائها وبناتها، ولن يستطيع أي طرف بعد اليوم فرض ارادته خارج إرادة الشعب ولا أن يقصي أيّا من بقية الأطراف دون الاعتماد على القانون ودون السقوط في دكتاتورية جديدة نحسب أن الثورة المباركة حريصة على استئصال أسبابها بصفة نهائية وأن الشعب سيتصدى لها بكامل القوة.
وإن ما تضمنه مقترح الاقصاء من حيف وما يبطنه في ذات الوقت من سعي حثيث لاحتلال المواقع ومن حسابات ضيّقة وخلفيات مفضوحة تستهدف إزاحة المنافسين لاحتكار المقاعد والسطو على الحكم والانفراد به يدعو الى التنديد وفي الآن نفسه الى الاستغراب من الصمت المدوي والمخجل للأغلبية الصامتة ولأغلبية المدافعين عن حقوق الانسان وفي مقدمتهم الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ومختلف المجالس الوطنية للحريات وهيئة المحامين وكافة رجال القانون والحقوقيين الى جانب مجمل المنظمات والأحزاب والجمعيات الذين جعلوا من الدفاع عن حقوق الانسان ديدنهم الرئيسي دون حسابات أو استثناءات.
وإننا نتساءل كيف انجرت الهيئة المتكونة من عدد من الحقوقيين البارزين ومن السياسيين والمثقفين المعروفين بمناصرتهم للديمقراطية وحقوق الانسان الى قبول معالجة فساد البعض بتسليط الظلم على الجميع تحت ضغط أقلية متطرفة لا علاقة لها بمصالح ثورة الشباب، هل هو الخوف الذي يولد التواطؤ مع الجميع؟ هل هو التنازل عند رغبة البعض في القصاص الجماعي نزولا«ديماغوجيا» عند«مطلب الثورة» أم هو إلتفاف على الثورة ممن يدعون «تحقيق أهدافها» ؟
وان ما جاء في الفصل 15 المقترح بعد عملية تطهير سياسي وفئوي وتصفية شعبوية خارج المنظومة القضائية وعن مبادئ دولة القانون والمؤسسات كما يعدّ تزويرا مسبقا للانتخابات عبر تغييب فئة من المواطنين وتجريدهم من حقوقهم المشروعة بصفة تعسفية غير قانونية ضمن عملية استبعاد تتأسس على منطق الثأر وان الجدل حول إختيار 10 سنوات أو 23 سنة لتسليط هذه العقوبة الجماعية هو موضوع هامشي ذلك أن القضية مبدئية بالأساس ولا تتعلق بالأشخاص ولا بالأحداث ولا بطول المدة أو بقصرها بل إن مبدأها يرفضه القانون والعقل والمنطق جملة وتفصيلا.
وانه من الجلي أن ذلك المقترح نابع عن مزيج من الحسابات الضيقة لقلوب ملؤها الحقد ولنفوس غمرتها روح الانتقام والقمع والاضطهاد وهو بالتالي لا يفتح للمصالحة الوطنية سبيلا بل يؤجج الصراعات الوطنية والانقسام ولا يهيئ للفضاء الوطني أجواء الوئام والتسامح والتوحد بل يزرع بذور التوتر والتباغض والفرقة والتناحر ولا يعزز مشاعر التآخي والتضامن بل يعمق أسباب التنافر والتطاحن وهو بالتالي لا يخدم في شيء أهداف الثورة بقدر ما يخدم المصالح الشخصية والفئوية للبعض وهو يمثل في النهاية انحرافا بالثورة ويؤسس لمشروع فتنة لا قدر الله والفتنة أشد من القتل.
وإذا ما تواصل هذا المسار الإقصائي دون هبة جادة من الأغلبية الصامتة ودون وقفة حازمة من الحكومة ومن المدافعين عن حقوق الانسان، فإننا نسأل السيدات والسادة الأعضاء المتربعين على عرش هيئة تحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي: إذا لم تكفوا عن مزايداتكم الثورية ومصادرتكم لسيادة الشعب وبعد إعلانكم انطلاق موسم صيد الساحرات، متى ستعلنون إقامة المشانق في الساحات العمومية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.