تتتالى القضايا المرفوعة ضد لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة التي يترأسها السيد عبد الفتاح عمر.. فبعد القضية التي رفعها 10 محامين منذ أكثر من شهر للمطالبة بتجميد اعمال اللجنة والتي حكمت فيها المحكمة الابتدائية لفائدتهم ثم رفضت محكمة الاستئناف الدعوى وأذن للجنة المذكورة بمواصلة عملها، توجه المحامون المذكورون هذه المرة الى القضاء الاداري... فقد أودعت الأستاذة حذام بوصرّة، المحامية لدى التعقيب، نيابة عنها وعن 9 محامين آخرين عريضة لدى السيد رئيس الدائرة الابتدائية بالمحكمة الادارية بتونس تهدف الى إبطال عمل لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة لكن بطريقة غير مباشرة، حيث وقع رفع دعوى في تجاوز السلطة ضد رئيس الجمهورية المؤقت السيد فؤاد المبزع والمطالبة بإلغاء الأمر عدد 235 لسنة 2011 الذي أصدره المبزع في 19 فيفري 2011 والمتعلق بتسمية السيد عبد الفتاح عمر رئيسا للجنة الوطنية للتقصي في مسائل الرشوة والفساد، على أساس ان هذا الأمر الفردي جاء مخالفا لمبدإ المشروعة القانونية والتي يجوز القيام بدعوى تجاوز السلطة في شأنها اذا لم يقع ضمان احترامها من طرف السلطة التنفيذية، حسب الفصل 5 من قانون 1972 المتعلق بالمحكمة الادارية. وكانت لجنة التقصي في مسائل الرشوة والفساد قد أحدثت بمرسوم صادر في 18 فيفري 2011 ونص المرسوم على أن رئيس اللجنة يتم تعيينه بأمر من بين الشخصيات الوطنية المستقلة المشهود لها بالكفاءة في الميدان القانوني والسياسي. ثم صدر في اليوم الموالي أمر فردي (عدد 235) عن رئيس الجمهورية المؤقت يقضي بتعيين عبد الفتاح عمر رئيسا لهذه اللجنة... شخصية غير مستقلة اعتبرت العريضة المقدمة من المحامين العشرة للمحكمة الادارية أن الشخص الواقع تعيينه لا تتوفر فيه شروط الاستقلالية لعدة أسباب فعبد الفتاح عمر، حسب العريضة، عينه الرئيس المخلوع عضوا في المجلس الدستوري من 1987 الى 1992 وساهم بذلك في تنقيح الدستور سنة 2002. كما وقع تعيينه مقررا خاصا للجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة مكلفا بحرية الدين والمعتقد وعضوا باللجنة الأممية المعنية بحقوق الانسان، وكان أثناء ذلك يذكر بن علي في مجال حقوق الانسان ويعبر عن اعجابه به، فضلا عن اشادته بديمقراطية «المخلوع» وبالتعددية الحزبية في تونس، وهو ما يعد مغالطة وترويجا لنظام استبدادي وأن بن علي سيستفيد في الدفاع عن نفسه مستقبلا من هذه الشهادات الزائفة. واضافة لذلك فإن عبد الفتاح عمر حسب نص العريضة حاصل على جائزة رئيس الدولة لحقوق الانسان في 1998 وعبر عن اعتزازه بها آنذاك في تصريحاته وكل ذلك يجعل منه...شخصية غير مستقلة حسب العريضة بما أنه كان متناغما مع النظام السياسي الاستبدادي لبن علي رغم الانتقادات الدولية التي كانت توجه لتونس في مجال حقوق الانسان، فضلا عن أنه لم يتراجع عن هذه المواقف بعد 14 جانفي ولم يبين ظروف صدورها عنه ولم يبادر بالتنازل عن تلك الجائزة الرئاسية المشبوهة، فكيف له أن يواجه جرائم بن علي بعد أن سبق له تزكيتها وبالتالي حسب المحامين المذكورين فان أمر تعيينه رئيسا للجنة باطل ومخالف لمرسوم إحداث اللجنة. كفاءة قانونية وسياسية لم يكتف نص العريضة بعدم توفر شرط الاستقلالية من عبد الفتاح عمر وجاء فيه أنه أيضا لا يتوفر فيه شرط الكفاءة القانونية والسياسية. ذلك أن أعمال لجنة كهذه تشترط دراية تامة وممارسة للقانون الجنائي في جانبيه العام والخاص وحنكة في إنجاز المهام الموكولة له. لكن من خلال تصريحاته مثلا، يتضح أنه غير ملم بهذه الجوانب على غرار تصريحه في التلفزة مثلا أن علي السرياطي حصل من المخلوع على مبلغ 500 ألف دينار يوم 14 جانفي والحال أن تلك المعلومة موضوع مكاتبة سرية وردت على عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس وهي الجهة المتعهدة بملف مدير الأمن الرئاسي سابقا وهو بالتالي تصريح مخالف لمبدإ سرية التحقيق كل هذا إضافة الى دخول قصر سيدي الظريف دون سند قانوني أو قضائي. كما أن القرارات المتخذة من عبد الفتاح عمر لتسمية أعضاء لجنته تفتقد لأبسط قواعد التسميات وتثبت عدم كفاءته القانونية. أما عن عدم الكفاءة السياسية فتتمثل حسب العريضة في عدم إصداع عبد الفتاح عمر في الماضي، بصفته رجل قانون مختص في حقوق الإنسان ويشغل منصبا أمميا هاما في هذا المجال، بالحقيقة حول وضع حقوق الإنسان في عهد الرئيس «المخلوع» وهو ما يبين أن الحنكة السياسية تنقصه. اختصاص من جهة أخرى تعرضت العريضة بصفة احتياطية إلى مسألة اختصاص رئيس الجمهورية المؤقت عند اتخاذ مرسوم إحداث اللجنة المذكورة حيث ذكرت أن اختصاص إحداث اللجان لا يدخل ضمن الاختصاصات التي فوضها مجلسي النواب والمستشارين لرئيس الجمهورية المؤقت حسب الفصل28 من الدستور. وبالتالي فإن المرسوم المذكور صادر عمّن لا صفة له ويكون المبزع بذلك قد تجاوز سلطته وهو ما يجيز استبعاد تطبيق هذا المرسوم. معاهدة دولية من جهة أخرى، أثارت الدعوى المذكورة مسألة مخالفة اتفاقية دولية صادقت عليها تونس في فيفري 2008 حول مكافحة القيادة بما أن الاتفاقات والمعاهدات الدولية تعلو على بقية النصوص القانونية. فهذه الاتفاقية نصت على أن كل الدول ملزمة بإحداث هيئة عليا لمكافحة الفساد ونصّت على إسناد عدّة مهام لها. لكن مهام لجنة عبد الفتاح عمر حسب المرسوم المحدث لها ليست لها هذه المهام أو لها مهام مخالفة لما نصّت عليه الاتفاقية (مثلا البحث في قضايا فردية سماع الأطراف الحجز والتفتيش بالمحلات المسكونة وغير المسكونة) فهذه الأعمال ينفرد بها القضاء وقاضي التحقيق دون سواهما.. وبالتالي فإن مرسوم احداث اللجنة مخالف لمعاهدة 2008 وهو ما يتجه حسب العريضة الى استبعاد تطبيقه. واضافة الى كل ما تقدم نصّت العريضة على أن مرسوم احداث «لجنة عبد الفتاح عمر» مخالف للمبادئ الأساسية للقانون (استقلال القضاء والمحاكمة العادلة للمتهم).. وهو ما يدعم حظوظ استبعاده. فهل ستأخذ المحكمة الادارية بكل هذه المطاعن في مرسوم رئيس الجمهورية المؤقت المحدث للجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة وللأمر المتعلق بتسمية عبد الفتاح عمر رئيسا لها؟ ذلك ما ستكشف عنه الايام القادمة ليتواصل بذلك مسلسل «لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة» لكن هذه المرة أمام القضاء الاداري.. علما أن المحامين المذكورين سيقومون في غضون الأيام القادمة بتعقيب قرار محكمة الاستئناف الذي رفض تجميد أعمال اللجنة.