سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الإصلاح التربوي لسنة 1991 بين النصّ الرسمي والنّصّ الغائب (1): ما أُسقِط من الحساب بين السيّد الهادي خليل وزير التربية الأسبق والأستاذ حمادي بن جاء بالله
بقلم :الحبيب عيّاد. (أستاذ باحث. كلية الآداب، منّوبة.) نشرت جريدة الشروق بتاريخ 19 مارس 2011 تصريحا للسيد الهادي خليل وزير التربية من 11 أفريل 1988 إلى 11أفريل 1989 وعضو مجلس النواب سابقا. عنوانه: «هكذا خطط نظام بن علي للقضاء على مجانية وإجبارية التعليم». والواضح من التصريح هو الكشف عن مخبوء يتعلّق بشأن من شؤون وطنية عديدة كانت، قبل ثورة 14 جانفي، في موضع التّدبير للتغيير على نحو. والكشف في التّصريح المذكور يطال، مبدئيا، صاحب التّدبير الذي تمّ تعيينه بالاسم والصّفة، فيمكننا، بوجه ما، أن نرى في التّصريح دعوى من جهة على جهة في موضوع: المدّعي هو السيد الهادي خليل بصفتيه سالفتي الذكر ( وزير تربية سابق، عضو بمجلس النواب)- المدّعى عليه:» نظام بن عليّ» - الموضوع في التّفصيل هو التّخطيط للقضاء على مجانية التعليم والإجبارية واحترام الهوية العربية الإسلامية. وأوردت الجريدة، في حلقتين، يومي 4 و5 أفريل 2011، ردّا على هذا التصريح. ما يلفت الانتباه أن يكون الرّدّ على التّصريح من جهة الأستاذ حمادي بن جاء بالله الذي لم يُذكر باسم أو صفة في أصل «الدعوى» المفهومة من مقال السيّد الوزير الهادي خليل. وإنما وجَد الأستاذ حمادي بن جاء بالله لنفسه متعلّقا من القول. ورأى من الدّواعي وفيها خاصّة أنه كان المقرّر العام للجنة العليا للإصلاح التربوي في عهد الوزير الأستاذ المرحوم محمد الشرفي ( 1989- 1991) الذي تقلّد بعد السيد الهادي خليل، ما حمله على أن يكون في الموقع الذي اختاره، رغم ما في هذا الرّدّ من تجشّم مشقّة وجدها في نفسه من ادّعاء أن يكون مصوّبا معقّبا على السّيد الهادي خليل، قصد إصلاح بعض ما نُسِب إليه من القول، وهو له «الأخ العزيز». وقد اعترف الأستاذ بن جاء بالله للوزير محمد خليل بما كان له عليه من الفضل في سابق العهد وأعرب عمّا يكنّه له من المحبّة ومعاني التقدير، حتّى كان هذا الرّدّ «أخويا». لكنه بيّن أنّ الميزان عنده رجّح على هذه الأخوّة، أخوّة الأستاذ المرحوم محمّد الشرفي، وتلك أخوّة أخرى وزيادة عليها جعلتها أقوى في الدّهر، قال:» ما إن التقيت به حتى وجدت فيه الصديق والأخ والمناضل الذي لم يفرّق بيني وبينه إلاّ الموت.» ولعلّ الأرجح من هذه الأخوّة وتلك وسواها عند صاحب الرّدّ وعند الناس جميعا أمر من بعد الناس من الأحياء والأموات، هو الذي نراه من التّمسك بالتّذكير بما كان لحفظ الحقوق وصيانة المدنية صونا. وأَحْسِنْ بذلك من قول الأستاذ بن جاء بالله إذ قال إنه رأى أن يتدخّل في الموضوع:» تذكيرا للأحياء، وحفظا لحقّ الأموات، وصونا لقيم الجمهورية». فانطلاقا من هذه الأركان نفسها نرى للقول في التّصريح والرّد ما هو به حقيق وجدير، لا على معنى بخصوصه من صفة الناس والعلاقات، بل على سبيل التحرّي في الفهم وعلى صفة التاريخ والتبصّر منه، فيما يتجاوز النّاس ما كانوا. أوّلا- في النّصّ الغائب: إنّ المقابلة بين تصريح السيد الهادي خليل والردّ عليه تضع القارئ أمام مفارقة عجيب شأنها. فهنا وهناك يتعلّق الكلام بقانون الإصلاح التربوي الشهير لسنة 1991 . لكنّ التّصريح في واد، والرّدّ عليه في واد آخر: - إنّ التّصريح يتحدّث تحديدا عن «مشروع القانون» الذي نظر فيه مجلس النواب، فيكشف الوزير أنّ إخلالا كان في ذلك المشروع بالمبادئ الثلاثة ( المجانية، الإجبارية، الهوية العربية الإسلامية) التي قامت عليها المنظومة التربوية و»انطلقت منذ الاستقلال مع نظام بورقيبة». - أما الأستاذ بن جاء بالله فينفي أن يكون تمّ إخلال بتلك المبادئ، لكنّ هذا النّفي كان بالاعتماد على النّصّ الرسمي لا بالاعتماد على مشروع هذا النّصّ. بل يمضي الرّدّ إلى بيان أنّ قانون 91 كان أشدّ وضوحا وأبين إقرارا للمبادئ الثلاثة التي قام عليها النّظام التربوي منذ الاستقلال وذلك بالاعتماد على مقارنة بين قانون التعليم لسنة 1958 وقانون 91. وإنما انصراف الأستاذ إلى هذه المقارنة غير المطلوبة أصلا، مبنيّ على استغلال لما في التّصريح من عدم دقّة في نسبة الإقرار بمبدأ الهوية العربية الإسلامية إلى قانون 58، وعلى عدم اعتبار للمصاحب من قول الوزير وللسياق في تأكيد رسوخ المبادئ الثلاثة قواما للمنظومة التربوية منذ الاستقلال بالنظر إلى قانون 58 لكن دون اقتصار من الإحالة على هذا القانون ولا وقوف على تاريخه، لا سيما والوزير ينتهي من وصف حال التربية وإصلاحها إلى آخر عهده بالوزارة سنة 1988. والواقع أن لا خلاف بين الوزير والأستاذ في أنّ قانون 91، على ما تمّ إقراره، ليس مخلاّ بالمبادئ الثلاثة وقد شاركا معا كلّ من جهته وعلى قدر ما كان له من دور في إقراره. شارك الوزير في الأمر باعتبار ما كان له من علم بالوزارة قبل أن يعقبه فيها الأستاذ الشرفي ثمّ باعتبار رئاسته للجنة التربية والثقافة والإعلام والشباب بمجلس النواب. وشارك الأستاذ في الأمر من خلال تكليفه من قبل الشرفي وزيرا، بمسؤولية المقرّر العام للجنة العليا للإصلاح التربوي العاملة من تحتها لجان قطاعية ومختصّة شتّى (1)، ومن خلال تحميله من الوزير ب»أمانة صياغة قانون 91 من أوّله إلى آخره»، فضلا عن مشاركته عن الوزارة «بحضور كافة المداولات... سواء في مستوى اللجنة البرلمانية المختصّة...أو تحت قبّة البرلمان.» وإذ لا خلاف بين الوزير والأستاذ في قانون 91، فلا اعتبار إذن لردّ الأستاذ على التصريح من جهة المفاضلة بين قانون 91 وقانون 58 باعتبارها كلاما في غير ذات الموضوع، فضلا عن كون المستخلص من هذه المفاضلة ذاتها في المجانية وفي الإجبارية لا يستقيم له عند التدقيق في القانونين. وإنما الكلام هو في «النّصّ الغائب» ما كان؟ وإنما من ذلك «النّص الغائب»التحقيق في صحّة دعوى الوزير في أنّ إخلالا بتلك المبادئ كان أو إنه ما كان. فهل إلى العلم بذلك النّصّ من سبيل؟ - تحتفظ مداولات مجلس النواب(2) في شأن هذا القانون بالإخبار. إجمالا يمكن التذكير بأنّ النّصّ في تطوّره من المشروع إلى القانون مرّ بمرحلتين أساسيتين:- أوّلا: ما كان قبل جلسة يوم 24 جويلية 1991 ويتعلق الأمر في هذه المرحلة بتدارس المشروع في إطار عمل اللجنة البرلمانية، وضمن ذلك حوار اللجنة مع الحكومة ممثلة في وزارة التربية والعلوم. وثانيا- ما كان في الجلسة العامة يوم 24 جويلية. وانطلاقا من الأسئلة والاقتراحات والأجوبة عليها من الحكومة والتعديلات في المرحلة الأولى، ثمّ ما كان في الجلسة العامة من النقاش العامّ والتصويت يمكن للناظر أن يقف على كشف أساسي في «مشروع القانون» المقترح من الوزارة وذلك في النقاط الأساسية المتعلقة بمجانية التعليم والإجبارية والهوية. ولا بدّ من التنبيه إلى أنّ حقائق الأمور في النّصوص القانونية ليست في المستوى العام من الإقرارات، بل هي دوما في التفاصيل والحدود والشروط المرافقة. ولهذا فلا بدّ من التدقيق واعتبار ما كان من الملابسات.