سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الإصلاح التربوي لسنة 1991بين النصّ الرسمي والنّصّ الغائب (3): ما أُسقط من الحساب بين السيّد الهادي خليل وزير التربية الأسبق والأستاذ حمادي بن جاء بالله
بالقلم :الحبيب عيّاد. (أستاذ باحث. كلية الآداب، منّوبة) ثالثا الإجبارية: في عتبة المدرسة أم إلى السادسة عشرة؟ 1- ما ذكرناه في المجانية من الاختلاف بين نصّ المشروع والنّصّ الرّسمي يصدق كذلك في الإجبارية. فالصيغة التي أقرّها قانون 91، ضمن الفصل 7 من الباب 2:» «التعليم الأساسي إجباري من سن السادسة إلى سن السادسة عشر» لم تكن مطابقة لمقترح الوزارة الذي لم يحظ بموافقة اللجنة البرلمانية. ذلك أنّ هذه اللجنة هي التي اقترحت على الوزارة كتابيا، بعد نظرها في جلسة 2-3 جويلية، إعادة صياغة الفصل [المتعلق بالإجبارية] على النّحو التالي: التعليم الأساسي إجباري من سن السادسة إلى سن السادسة عشر.» ( المداولات، ص. 2285 ) مرّ بنا أنّ اللجنة سجّلت على نصّ المشروع الوزاري شروطا تضييقية على المجانية والإجبارية. لكنّ الأبرز في موضوع الإجبارية هو ما يفهم من أن مقترح الوزارة ما كان ينظر إلى الموضوع إلا من زاوية عتبة المدرسة على نحو يكون فيه نصّ على الإجبارية في سنّ الدخول إلى المدرسة وهو السادسة من العمر دون نصّ على العمل بالإجبارية إلى سنّ التخرّج من المدرسة وهو السادسة عشرة من العمر. 2- اللافت للانتباه في الموضوع جواب الوزارة عن هذا المقترح، وهذا الجواب يمكن أن نفهمه من خلال ما جاء على لسان الأستاذ محمد اليعلاوي في الجلسة العامة ليوم 24 جويلية وفيها دوّن محضر المداولات من قوله ما يؤكد بوضوح عدم التنصيص في الإجبارية على السقف الأعلى من السنّ. يقول الأستاذ اليعلاوي فيما نسب إليه :«من الأمور الحسنة التي ورثناها عن المدرسة الفرنسية أنها «إجبارية». ورأينا في أجوبة الوزير أنه يتردّد في ذكر السنّ القصوى أي من السنة السادسة إلى السنة السادسة عشرة. فلِمَ هذا التخوّف؟ خصوصا، وهذا من غرائب التناقضات في هذا المشروع، أنه في الفصل 32 يعاقب المشروع الولي الذي قطع ابنه دون السادسة عشرة عن التعليم. ويضيف:«رغم إلحاح اللجنة على أن يقع ذكر هذه السن القصوى في الفصل السادس، أي التعليم الإجباري من السنة السادسة إلى السنة السادسة عشرة، لم يذكر هذا ورفض الوزير أن يدخله في هذا الفصل.» ( المداولات، ص. 2326 ). 3- ردّ الوزير في الجلسة نفسها بأن قال، استنادا إلى ما هو مدوّن في محضر المداولات:«لم يقع تردّد من الوزارة في مسألة سنّ الدراسة من سنة السادسة إلى سن السادسة عشرة، بل وقع قبول بدون أدنى صعوبة مقترح اللجنة في هذا المضمار.» ( المداولات، ص. 2335 )، وبقية الكلام فيه إشارة إلى ما يؤكد أنّ التنصيص على الحدّ الأقصى هو الذي كان موضوعا للاستشكال. إنما هل كان قبول الوزارة لمقترح اللجنة «دون صعوبة» وفقا لما صرّح به الوزير؟ - إنّ فهم الأمور بدقّة يدعو إلى التذكير بالتسلسل التالي من سير المداولات: - في جلسة يوم 2-3 جويلية طلبت اللجنة البرلمانية التحوير في الفصل على نحو يكون فيه نصّ على السّنّ القصوى. - في جواب الوزارة الكتابي: تفتتح بالقول«لأوّل مرّة في تاريخنا يقع التنصيص على إجبارية التعليم». ثمّ تذكر وجوب العمل «على تحصين هذا الإجراء من كلّ أسباب التّسيب أو التكاسل حتى لا تتحوّل المدارس عند البعض إلى ما يشبه المحاضن بما يترتب عن ذلك من تكاليف مادية باهظة ومشاكل تربوية». وتنتهي الوزارة إلى هذه الخاتمة:«الحكومة تفضّل الإبقاء على النّصّ في صيغته الأصلية». ( المداولات، ص. 2301 ) - هذا الجواب هو الذي دعا اللجنة البرلمانية مجددا، في جلستها يوم 11 جويلية، إلى مراجعة الوزارة فيها تذكير على معنى التصحيح من جهة، وتمسّك بضرورة التنصيص على السنّ القصوى من جهة ثانية. نقرأ التذكير من القول:«تذكّر اللجنة أنّ قانون 58 تضمن في فصله الثاني إجبارية تعليم الأطفال من سنّ السادسة إلى سنّ الثانية عشرة.» ونقرأ الدعوة إلى التنصيص من قولها، بعد أن أحالت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في نصّهما على الإجبارية:«وإنّ اللجنة إذ تقترح تحديد الإجبارية بسنّ يمتدّ من السادسة إلى السادسة عشرة فإنّ ذلك لتلافي التسيب في احترام هذا المبدأ، وتسليح الأطفال بحدّ أدنى من المعرفة والتكوين.» ( المداولات، ص 2287 ) - يفهم من قول الوزير في الجلسة نفسها، ردّا على تجديد الطلب، أنّ نصّ الوزارة المقترح كاف في الوفاء بمبدإ الإجبارية من كونه يضمنها نصّا عند التسجيل، ومن كونه يضمنها، ولو دون نصّ، في «مستوى الإبقاء على الأبناء في المدرسة حتى سنّ السادسة عشرة مادامت الدراسة متواصلة بصورة طبيعية». وأشار في التوضيح في سياق تبرير عدم النّص على الحدّ الأقصى من السنّ إلى :«وجود نسبة من التلامذة الذين لا يمكنهم النجاح في الظروف العادية إلا إذا وجدت وسائل بيداغوجية استثنائية ومكلفة يصعب توفيرها.» (المداولات، ص. 2288- 2289). 4- كيف انتهت القصّة في الإجبارية؟- لافت للانتباه أنّ محضر المداولات لا يذكر عند استعراض ما استقرّ عليه الأمر من التعديلات في مناقشة اللجنة للوزير ( المداولات، ص. 2289-2290 ) التوصّل إلى توافق على هذه النقطة التي أثيرت وظلت موضع جدل. وتفتح إثارة الأستاذ محمد اليعلاوي للموضوع مجددا في الجلسة العامة ليوم 24 جويلية بابا لاحتمال أن يكون تمّ تعليق الحسم في هذا النّصّ خارج مداولات اللجنة ذاتها. ولافت للانتباه من بعد أن يذكّر الأستاذ حمادي بن جاء بالله مرّتين في خاتمة ردّه على تصريح السيد الوزير الهادي خليل أنّه لم يكن مخوّلا، عند «وضع اللمسات الشكلية الأخيرة في مشروع القانون»، واللمسات الأخيرة في تقرير اللجنة البرلمانية، للمساس بمضامين المشروع. فالسؤال: هل أنّ الحسم في الإجبارية كان في «اللّمسات» اتكالا على اعتبارها من الشكليات، أم كانت من المهمّات التي تتجاوز الوزارة ولم يحسم فيها إلاّ بالرجوع إلى الرئاسة نفسها، وهكذا عزا السيد الهادي خليل الرجوع عن نصّ المشروع المقترح إلى نفسه وإلى اللجنة في معارضة الرئاسة والحكومة، ولم يصل الأستاذ حمادي بن جاء بالله من قوله في الخاتمة- وهو ينأى بنفسه عن المساس- إلى التّوضيح وإن ترك كلامه بابا من التلميح؟ 5- ومن الواضح أن المسألة المالية كانت ضاغطة مرّة أخرى على نحو مؤثر في تحديد أمر الإجبارية. ولكن إذا كانت ظواهر مقاومة الأمية في عدم التسجيل في المدرسة، والتسرّب المدرسي، والتردّي في الأمّية من جديد، تقدّم باعتبارها من أهمّ ما كان يهدف مشروع الإصلاح إلى تجاوزه، فإنّ المداولات في الإجبارية ومقتضياتها تكشف كذلك مقدار التردّد في التوفيق على نحو ناجع بين مطلب عمومية التعليم على أنّه خيار ينبغي تكريسه على النّطاق الواسع ومطلب الاضطلاع بضمان الحدّ الضروري منه فضلا عن النّهوض المفترض بالمستوى وتحسين الكيف فيه.