انتهت العطلة الصيفية، بعد قرابة ثلاثة أشهر أمضاها أبناؤنا ما بين الكسل واللعب والسفر والخروج وفعل ما يحلو لهم بعيدا عن قيود الدراسة، والصحو المبكر والالتزام بجداول المدرسة والامتحانات، وأوامر الأسرة المستمرة بالمراجعة والواجبات المدرسية وغيرها. وبدأ العام الدراسي الجديد والاستعدادات له، بدءا من شراء احتياجات المدرسة من ملبس وأدوات مدرسية، انتهاء بقيام بعض الآباء والامهات بمراجعة دروس العام الماضي مع أبنائهم حتى يبدأوا عامهم الدراسي الجديد، وهم في قمة التألق الفكري. ولكن هناك حقيقة مهمة تغفلها بعض الاسر وهي كيفية اعداد ابنائها نفسيا للعودة للدراسة آخذين بعين الاعتبار ان كانت هذه هي المرة الاولى التي يذهب فيها الطفل الى المدرسة، أو أنه سينتقل الى قسم دراسي أو مرحلة دراسية جديدة. خطوات الطفل الاولى في عالم المدرسة تحدد بشكل كبير علاقته بالدراسة والمدرسة، ولهذا يقع على عاتق الام عبء تحضير طفلها لهذا العام، وتعريفه بعدد الساعات التي سيمكثها في المدرسة بعيدا عنها. تقول احدى الاخصائيات في طب الأطفال «كلما أحب الطفل مدرسته وأحب ما يحيط بعالم الدراسة من أمور توثقت خطواته الدراسية، وقد يكون من المستحب ان تصحب الام ابنها او ابنتها في أكثر من زيارة للتعرف على المدرسة والمدرسين قبل بدء الدراسة بعدة أيام فهذا يعطي الانطباع بأن هذا العالم ليس بغريب عنه عندما يبدأ الدراسة». وتحذر الاخصائية من سلوك بعض الآباء والأمهات الذي يجعل من المدرسة وحشا مفترسا يتعارض مع ما يحبه الطفل ويميل اليه «فنحن نجد بعض الامهات او الآباء يربطون المدرسة بانتهاء اللعب والمرح ويرسخون هذه الفكرة في عقل الصغير حتى تتحول المدرسة بالنسبة له الى مكان مخيف او ممثل سيكون نهاية سعادته وتكون النتيجة أمرين: إما أن يزداد عنفا تجاه قيود المدرسة، ويرفض الالتزام بها، أو أن تترسب بداخله مخاوف لا أساس لها من الصحة تزيد من انطوائه. وكلاهما نتيجة لا يتمناها أي أب أو أم». أما الأم التي لديها أبناء في مراحل تعليمية متقدمة في الابتدائي والاعدادي والثانوي فعليها الاهتمام بفكرة العودة للدراسة، لا من باب التحصيل العلمي وأهميته فقط، ولكن من ناحية ان هذه العودة تمثل خطوة جديدة في حياة ابنها او ابنتها وفي طريق مستقبله، ولهذا يجب عليها اشراكهم في الاعداد للعودة الدراسية، كأن تخرج معهم لشراء مستلزمات الدراسة واختيار المناسب منها بشكل يجعلهم يترقبون العودة الى المدرسة بفرح. كما عليها ان تلفت نظرهم الى ضرورة القراءة والمراجعة من دون أي ضغط عليهم. ومما لا يختلف عليه اثنان ان العودة الى المدرسة تكون أسوأ وقعا على الطالب الذي لم يسعفه الحظ بالنجاح، لأنه سيضطر الى العودة الى ذات الفصول التي كانت يدرس بها العام الماضي، في حين ان زملاءه انتقلوا الى صف دراسي أعلى. يقول أخصائي في الطب النفسي: «يجب أن نعلم أولا أن الطفل الذي يرسب في أي عام دراسي إما انه يعاني من ضعف التحصيل الدراسي للعلوم التي يدرسها، أو أنه طفل ذكي ولكنه أهمل في استذكار دروسه ولم يجد العناية او المراقبة اللازمة من أسرته، وكلاهما مشكلة. فالنوع الاول يجب احتواؤه وتنظيم أوقات استذكاره، وبذل مجهود أكبر معه سواء من جانب الأهل او المدرسة، مع ضرورة تبسيط العلوم الدراسية له حتى يستطيع فهمها، اما الطفل الثاني، فهو بحاجة الى الحزم والمتابعة وتهيئة المناخ المناسب للدراسة منذ اليوم الأول». ويتابع الاخصائي «الطفل الراسب يعود للدراسة وهو محمل بضغوط نفسية كبيرة، حيث يكون دائما عرضة لنقد الاهل المستمر ولومهم له بسبب ضياع سنة من عمره، الى جانب انتقال زملائه الى عام متقدم عليه، مما يزيد من حالة التوتر والقلق لديه، ويجعله متخوفا من الاشتراك في أي نشاط مدرسي، أو أي امتحان. واذا لم يدرك الاهل والمعلمون في المدرسة الابعاد النفسية للطالب، فقد يتحول قلقه وتوتره الى نوع من السلوك العدواني تجاه الآخرين، وبالتالي يقع على عاتقهم، أي الاسرة والمدرسة، مسؤولية مساعدته على تخطي حاجز القلق والخوف بتشجيعه المستمر على المشاركة في الأنشطة الطلابية، وتكوين صداقات جديدة، ودعمه دراسيا، وتعزيز ثقته بنفسه في أي مناسبة يحقق فيها انجازا ولو بسيطا. كما يتوجب على الأهل متابعة الواجبات المدرسية اليومية، ومواصلة الاتصال بالمدرسة لمتابعة تطوره، مع الابتعاد عن أسلوب اللوم والتذكير المستمر بفشله السابق، لأن هذا الأسلوب لن يأتي بأي نتيجة سوى تكريس مشاعر القلق والخوف وعدم الثقة بالنفس.