هم فئة من الشعب التونسي لا تهمها الايديولوجيا، ولا خطب البلاغة للسياسة ولا كثرة الوعود... فيهم كل طوائف المجتمع وفئاته وهم من كل مدن البلاد وقراها ومن مختلف المستويات الثقافية والعلمية والمهنية فيهم الطالب والعامل والمعطل عن العمل ورجل الاعمال والفلاح ولاحرفي والمعوق والشيخ والعاطلين عن العمل. يقطنون قرى ليست ككل القرى وقراهم غارقة في صمتها ووجعها وآلمها تحجبها عن العالم أسوارها أخبار ما وراءها وتحجب أسرارها. حين اندلعت الثورة، انتفض أهلها كما انتفضت كل البلاد رغبة في رفع الظلم والمظالم المسلطة على أهلها وعزمها على مساعدة الثورة لتحسس خطاها ضد جيوب الردة وهجمات اذيال النظام البائد على الاحياء والدور وفيها الأهل والزوج والولد. إنهم المساجين في تونس وقد حشروا في سجون لا تسع في أحسن أحوالها الا ثلثهم وبعد ما لحق بها من تخريب صارت لا تسع سدسهم وقد قالوا عنها إنها من فئة خمسة نجوم. في سجوننا قمع كل أعداء النظام البائد من السياسيين الذين حوكموا بقضايا وآخرين بأحكام من حق العام كمسك العملة وترويج المخدرات والاعتداء بالعنف وخلافه وهناك صنف آخر ممن عارضوا دولة الفساد ورموزها ورفضوا الابتزاز والرشوة ومشاركة من لا حق له في رزقهم فكادوا لهم فامتلأت بهم السجون في صمتهم حتى انبلج منبع أمل جديد. وأطل فجر العفو العام ماذا حصل خرج أهل السياسة ممن حوكموا في قضايا حق عام على خلفية سياسية وطلبت إدارة السجن من رأى أنه يخضع لهذه الاحكام بتحرير العرائض لارسالها الى الرئيس الأول لمحكمة التعقيب بصفته رئيس اللجنة وحررت مئات العرائض ولم تفعل فصول المرسوم ولم يحصلوا على رد أي كان والأسوار تمنع أصواتهم من أن تتجاوز الحجب وسط صمت مريب من أحزاب كانوا ذات نهار من مناضليها ولم يجد الاخرون ممن لا حزب لهم ومعارضتهم كانت اقتصادية دفاعا عن أرزاقهم وأموالهم من أباطرة الفساد والنهب. وكان قبل ذلك ان صدر بلاغ من وزارة العدل بالعودة الى السجن لكل المساجين المسرحين مع وعد رجل من أهل ثقة ومكانة وتاريخ مشرف وناصع بأن يتمتعوا بالسراح الشرطي لمن قضى بالسجن نصف المدة ولمن سنه بين 18 و20 سنة وأكثر من ستين سنة. ولثقة الناس في الرجل عاد أغلب المساجين باعتبار أن عدد الفارين كان 11 ألفا عاد منهم قرابة السبعة آلاف وهاجر سرا الى ايطاليا قرابة الثلاثة آلاف. عادوا والأمل يحدوهم بتحقيق الوعد الذي استثنى القضايا الخطيرة كالقتل والعصابات الاجرامية كتوريد المخدرات مثلا. ماذا حل بعد ذلك...؟؟ ابتدأ تطبيق القرار فافرج عن بعض المورطين في القضايا الخطيرة كالعصابات الدولية لتوريد المخدرات وأيضا المورطين في قضايا القتل ومحاولات القتل وسط ذهول المساجين... وماذا بعد؟؟ من مساجين الحق العام لم يفرج الا على من خافوا ان ينتهي حكمه ولا ينتفعون بهم رقما مطافا لأعداد يرغبون في تضخيم حجمها ممن مازال لهم بضع أيام أو أشهر تعد على أصابع اليد الواحدة. ثم توقفت العملية وقد كانت التلفزات تهلل للافراج عن أعداد هامة من المساجين وتذكر اعداد 96 أو 126 أو 127 في كل مرة يتم الاعلان عن حالات السراح والحال ان عدد المساجين يفوق الثلاثين ألفا. الكل يتحدث خارجا عن اصلاح القضاء... عن قضاة مسيسون وآخرون يتلقون التعليمات وآخرون متشددون في أحكامهم ليبرزوا للنظام البائد أنه يمكن الاعتماد عليهم وأغلبهم ان لم أقل كلهم في المادة الجزائية وصدرت عقوبات على بعض القضاة ولا احد سأل كم من الاحكام الجائرة التي اصدروها؟؟ ولا أحد سأل كم ظلموا خلال فترات حكمهم؟؟ ولا أحد سأل عن الضحايا فالمهم معاقبة الجلاد أما الضحية فلا صوت لها وهي هناك خلف الاسوار والابواب الموصدة. الكل تحدث عن الفساد في منظومة البحث الابتدائي عمّا وراء الحقيقة وعن انتهاكات لحقوق الانسان خلال مراحل الايقاف واعداد المحاضر ولا أحد سأل عن ضحايا تلك المنظومة وهم هناك ينتظرون حديثا عنهم...حلا لوضعهم... انجاز لوعد كان طعما وسرابا. وأطل مسؤول من وزارة العدل ليعلن للناس عن سراب ذاك الوعد لتنطلق حملة من اضرابات الجوع داخل السجون سقط فيها البعض قرابين للحرية وسط صمت مطبق ومريب ومخيف. كيف لا ومن مات خلال الثورة ولو برصاصة طائشة عد شهيدا ولو لم يشارك في الثورة ولا يعتبر كذلك من كان بصدد قضاء عقوبة ومات حرقا خلف الابواب الموصدة أو برصاص أصابه وهو يسلك درب تحرره. وأطل هلال شهر مارس وفيه ما درج على تسميته بعفو عيد الاستقلال وتمسك المساجين بالأمل... كيف لا والسفاح بن علي كان يمن عليهم بما يعطي ولئن كان قليلا.. يتبع