وكان لقاؤنا الأول مع الشيخ محمد الهادي بن جيلاني عمري الذي قال «اسودت الدنيا من الجهة الشمالية وتلبدت السحب الدكناء وتدلت منها خيوط صفراء وبدأت تتقدم ببطء نحو منطقتنا بعد أن تخطت جبال منطقة حاجب العيون من ولاية القيروان وما إن تجاوزت منطقة الدغيمة ووادي الحجل حتى بدأ أولاد فرحان السكان الأصليون للمكارم يسمعون دوي السحب وصفير الرياح وتساقط حبات المطر التي بدأت تقترب شيئا فشيئا وتحجب الفضاء وراءها ويتقدمها البرد الأبيض وعند وصولها بدأت حبات البرد تتناثر هنا وهناك في حجم بيض الدجاج الرومي وشرعت تنقر الأبواب والنوافذ المواجهة لها وبدأت تتكدس في الأفنية العارية للمنازل وفي كل ناحية يمكن رؤيتها من داخل البيوت على مدار حوالي 15 دقيقة . ثم تبعتها فترة تساقطت فيها الأمطار بقوة لمدة قصيرة من الزمن وعاد البرد من جديد ولكن بأحجام أصغر وبعد أن هدأ الوضع خرجنا من منازلنا فهالنا الأمر وفوجئنا بتغيير كل شيء من حولنا أوراق أشجار الزيتون واللوز والخوخ والفستق والتين تكسو الأرض وتتوسطها أكداس من الثمار (حبات اللوز والتين وأزهار الزيتون ...) التي لم تنضج بعد، التين الشوكي قد تكسرت فروعه الطرية، حقول الزرع قد حصدت بأكملها وتفتت سنابلها فاختلطت الحبوب والتراب وعاد كل شيء إلى البداية وصارت الطبيعة أشبه ما يكون بأيام الخريف ... وذكر جاره الشاب عمار بدري أنه لم يسبق له أن رأى مثل هذا البرد كما أنه لا يتذكر مرة تعرضت منطقته فيها لمثل هذه الأضرار وبين أن نسبة الحبوب المتضررة في اللحظات الأخيرة قبل موعد حصادها تصل إلى 100%. هذه الحبوب التي يعلق عليها الأهالي آمالهم الكبيرة وبدأوا يستعدون لجمعها بعد أيام قليلة وأشار إلى بعض الأكوام الصغيرة من الحبوب المجمعة في بعض المزارع قائلا «تلك حصيلة من شرع في عملية الحصاد اليدوي منذ يوم أويومين قبل الواقعة وأما بقية المساحات المزروعة فإن أهلها ينتظرون قدوم الحاصدة الدارسة إليهم لأنهم لا يقدرون على جمعها يدويا لقلة وجود اليد العاملة من ناحية وغلاء أسعارها من ناحية أخرى». وحول بقية الأضرار ذكر أن ثمرات اللوز والخوخ والفستق قد أتلفت كلها رغم أنها لم تنضج ولم تكتمل حباتها وهي ليست صالحة ولا يمكن تقديمها الآن كمادة علفية للحيوانات خوفا من صعوبة مضغها ومرورها عبر حلق الخروف أو الماعز مثلا كما لا يمكن تجفيفها أوخزنها لفترات لاحقة لأنها لا تغني ولا تسمن من جوع . وأضاف السيد عمار أن هذه الأضرار تتفاوت من مكان إلى آخر وقد طالت العديد من السيارات الراسية أو المتحركة داخل المنطقة وطالت كذلك الحيوانات والتجهيزات المنزلية وخاصة في منطقتي الطوالبية والزلالطية اللتان أطلق فيهما الأهالي صيحات فزع وطالبوا من المسؤولين معاينتهم للوقوف على الأضرار الناجمة عن البرد وإمكانية إعانتهم لتجاوز محنتهم. تركنا الجماعة وتوجهنا إلى منطقتي الطوالبية والزلالطية والمناطق المتاخمة لجبل «ساش»وعلى الرغم من رداءة الطريق الموصلة إليها شاهدنا أعدادا من النسوة والأطفال قد انتشروا في الحقول يجمعون ما تبقى من «قش» السنابل بالمعاول والمذاري في أكياس بلاستيكية وآخرون يلتقطون حبات اللوز من هنا وهناك ليحفظوها في أماكن بعيدة عن الأغنام. الشيخ الفاهم بن طرشون البالغ من العمر 72 سنة شرع يحدثنا عن جملة الخسائر التي تسبب فيها البرد حيث قال إن حوالي 15 سيارة قد تهشم بلورها وأضواؤها الأمامية وحتى الخلفية وفقئت عيون عدة مواشي أغنام وأبقار كانت خارج مرابضها كما تسبب في فقدان حوالي 12 رأسا من الأغنام وقاطعه جاره مهدي عمري ليقول إن البرد قد هشم العديد من نوافذ المنازل والعدادات الكهربائية المنزلية وهو واحد من بين المتضررين الذي تصدعت جدران منزله وتهشمت نوافذه. ثم تدخل الشاب حسني بدري مدير مدرسة عقبة بن نافع والبالغ من العمر 45 سنة قائلا إن هذه الحالة وهذه الخسائر قد بلغت مسامع السلط المحلية والجهوية الذين لم يترددوا في زيارة المنطقة لمعاينة الوضع حيث كانت البادرة من معتمد المنطقة الذي عاين الوضع ووقف على جميع الأضرار كما تمّت معاينة الوضع في أرجاء المنطقة وتقييم الأضرار في أكثر من 8000 هكتار تابعة لمنطقة المكارم وكذلك شركة الكهرباء والغاز التي زارت المنطقة وبدأت في جبر الأضرار بتغيير العدادات الكهربائية المنزلية وتركيبها منذ 3 أيام. محمد صالح غانمي سيدي بوزيد (الشروق): فتك البرد الذي نزل في المدة الأخيرة في منطقة المكارم التي تقع في أقصى شمال ولاية سيدي بوزيد ويحدها كل من عمادتي قرع بنور وقطرانة جنوبا وولاية القيروان شمالا ومعتمدية أولاد حفوز شرقا ومعتمدية جلمة غربا وتمسح 16720 هكتارا ويسكنها 8000 ساكن موزعين على عمادتي المكارم والمكارم الشرقية بالمحاصيل الفلاحية من الحبوب (قمح وشعير) على مساحة قدرت بحوالي 10000 هكتار وخرب أشجارها المثمرة لوز 1500 هكتار وفستق 500 هكتار وزيتون 8860 هكتارا وحول وجه الطبيعة المخضر والحبلى بالثمار إلى طبيعة جدباء كأنما هي في فصل الخريف أبكت المتساكنين كثيرا وأدمت قلوبهم على ما أصابهم في لمح البصر ولما بلغ الخبر مسامع الناس لم يترددوا في الوقوف معهم معنويا وكانت الشروق قد انتقلت إلى المنطقة صحبة ناشطين من جمعية المكارم للدراسات التنموية وهما السيدان عمر سعيد وعبد النبي عمري للقيام بجولة استطلاعية حول ما أسفر عن نزول البرد في المنطقة.