٭ صنعاء «الشروق» (وكالات) من الصادق هزبر يتجه اليمن الى منحنى خطير بات يهدد سلمية الثورة والتداول السلمي للسلطة بعد ان وصلت حمى التوتر السياسي بين السلطة والمعارضة ممثلة في اللقاء المشترك الى طريق مسدود جراء تعليق المبادرة الخليجية وعدم التوقيع عليها من قبل الرئيس اليمني الذي ذكرت مصادر متطابقة امس انه نقل الى السعودية للعلاج جراء اصابة خطيرة أصيب بها في القصف الذي استهدف القصر الرئاسي أول أمس. فقد أعلن مصدر سعودي أن صالح أصيب في مستوى الصدر والرقبة ويعالج في الرياض، وفق ما نقلته «رويترز». من جانبها قالت هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) أمس أن الرئيس اليمني أصيب بشظايا استقرت قرب قلبه وبحروق من الدرجة الثانية في الصدر والوجه أثناء الهجوم على قصره. وأكدت مصادر مقربة من الحزب اليمني الحاكم أن صالح نقل فعلا إلى السعودية للعلاج مع أن نائب وزير الاعلام اليمني نفى ذلك وقال إن الرئيس اليمني بخير. وعلى الرغم من إن شباب الثورة يواصلون اعتصاماتهم في ساحات التغيير الا ان ما تعرضت له ساحة الحرية بتعز من مذبحة بحق معتصمين سلميين مثلت الضربة الثانية لهذا النظام بعد جمعة الكرامة التي حدثت في صنعاء وراح ضحيتها اكثر من 50 شهيدا فضلا عما قام به النظام الحاكم من خلط للاوراق السياسية والقبلية والدينية المتمثلة في الحرب الدائرة بين أولاد الاحمر والحكومة اليمنية والاقتتال المستمر لأكثر من 10 ايام بالاضافة الى الحدث الابرز وهو استهداف قصر الرئاسة بعد صلاة الجمعة اول امس واصابة عدد من المسؤولين الكبار وقادة الدولة... هذا الاستهداف لاقى ادانة واستنكار كبيرين من قبل احزاب المشترك وتنظيمات المجتمع المدني بل والراي العام المحلي... فبالرغم من أن الحزب الحاكم اتهم اولاد الحمر بتدبير العملية التي سارع الاحمر من جهته الى نفيها وقال انه لاعلاقة له بها فان الواضح ان هذه العملية غير المسبوقة ادخلت، البلاد في نقطة اللاعودة، رغم تضارب المعلومات حول من يقف وراء القصف. فبينما كان اليمنيون، جرياً على عادتهم كل يوم جمعة، منقسمين بين ساحة ميدان السبعين حيث كان أنصار الرئيس يحيون «جمعة الوفاء»، وبين ساحة التغيير في صنعاء حيث تظاهر الثوار تحت شعار «جمعة الوفاء لتعز» وشيعوا 50 محتجاً قتلوا خلال الأيام الماضية على ايدي النظام، أتت الأنباء عن تعرض القصر الرئاسي للقصف لتطغى على ما عداها من أحداث وتطورات... ووسط تضارب الأنباء حول وفاة صالح من عدمها، بعدما لجأت قناة حميد الأحمر، إلى إعلان أن الرئيس توفي أثناء محاولته الفرار من القصر الرئاسي، سعى حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم على مدى ساعات إلى نفي الخبر، مؤكداً أن الرئيس تعرض لإصابات طفيفة في رأسه. وبعد تأكيد مسؤولي الحزب أن صالح سيظهر علناً لتأكيد أنه بصحة جيدة، خرج الرئيس مساءً برسالة صوتيّة غابت عنها صورته، رغم أنه سبق لنائب وزير الإعلام عبده الجندي أن جزم بأنّ الرئيس سيظهر بالصوت والصورة، وسيلتقي الصحافيين. وأكّد صالح أنّه بخير، محمِّلاً «عناصر خارجة على القانون»، في إشارة إلى آل الأحمر، «لا علاقة لها بما يسمّى ثورة الشباب»، مسؤولية الهجوم. يوم جديد... من التصعيد وعلى وقع هذه الاحداث العاصفة عاش اليمن امس يوما جديدا من التصعيد الذي يزحف بهذا البلد شيئا فشيئا نحو نفق مظلم على ما يبدو حيث ازدادت الاوضاع احتقانا وأغلقت مداخل العاصمة صنعاء التي عاشت حصارا خانقا وسط حالة من الرعب التي خيمت على المواطنين ووسط نزوح ميداني كبير الى المحافظات المختلفة التي عاشت الليلة قبل الماضية قصفا متواصلا استمر حتى اليوم بشكل متقطع فقد دكت قوات الحرس الرئاسي منازل اللواء علي الاحمر الذي انضم الى ثورة الشباب والشيخ حميد الحمر واولاد الحمر الاخرين في منطقة حدة بالقرب من قصر الرئاسة حيث تم تفجير المنازل وتدميرها بالقذائف... وهذه التطورات انعكست بقوة على العاصمة صنعاء التي تعيش حالة شبه معطلة من الحركة نتيجة انقطاع الماء والكهرباء في معظم الاحياء وخاصة في المناطق التي يدور فيها الصراع مما حول العاصمة اليمنية الى مدينة اشباح. وتشير الأوضاع إلى احتمال تصاعد أعمال العنف والاشتباكات بين قوات الأمن والموالين للرئيس اليمني من جانب، والمحتجين والقوات الموالية لزعماء بعض العشائر التي أعلنت انضمامها للثوار من جانب آخر، مما ينذر بتوتر الأوضاع خلال الأيام المقبلة، الأمر الذي بات يهدد بانزلاق اليمن إلى أتون عنف لا يعرف مداه بعد». يأتي هذا وسط مخاوف من أنه في حال عدم التوصل إلى حل للأزمة في اليمن في أقرب وقت، فإن الوضع الاقتصادي في هذا البلد معرض للانهيار، فالاقتصاد اليمني، الذي يواجه صعوبات في الأساس، يتكبد يوميًّا خسائر فادحة ولعل هذا ما دفع هشام شرف، وزير الصناعة والتجارة في حكومة تصريف الأعمال اليمنية، إلى الإعلان عن أن خسائر اقتصاد بلاده بسبب الأزمة السياسية الحالية ما بين أربعة وخمسة مليارات دولار، شملت قطاعات النفط والسياحة والاستثمار الوطني والأجنبي، إضافة إلى تأثير هذه الأزمة على سعر الصرف، وتدهور العملة الوطنية، وارتفاع معدل الطلب على المواد الغذائية من قبل المواطنين، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها نسبيًّا.. كما أن العمل توقف في المشاريع الحكومية التي كانت تنفّذ في مختلف محافظات اليمن، مما شل حركة المقاولات، وأدى إلى فقدان الآلاف من فرص العمل، وأصيبت السوق العقارية في اليمن بشلل شبه تام، نتيجة الاضطرابات السياسية التي عززت المخاوف لدى المستثمرين، فيما تراجع إنتاج مصانع الأسمنت بشكل ملحوظ لانخفاض الطلب في الأسواق المحلية، نتيجة توقف عدد من المشاريع الإنشائية العامة والخاصة، وتراجع الكميات المصدّرة إلى الخارج، وانخفاض الطلب على مواد البناء الأساسية بنسبة 50 في المائة، كما فقد مئات الآلاف من العمال وظائفهم، بعد أن تراجع غالبية رجال الأعمال والمستثمرين عن إنشاء مشاريع سكنية وعقارية، حيث يعمل في قطاع البناء اليمني أكثر من مليون عامل، منهم 250 ألف شخص في القطاع التجاري المعتمد على الإنشاءات.. حالة ترقب المواطن اليمني يعيش اليوم في حالة ترقب حذر كل في بيته وخصوصا بعد ان اكمال المدارس الامتحانات ولاتزال الساحة اليمنية مفتوحة على كل الاحتمالات التصعيدية بعد احداث اول امس ويبقى الامل الوحيد في ان ينجح العقلاء في منع انزلاق اليمن الى المجهول لأنه مازال هناك متسع من الوقت لحلول آمنة للوضع في اليمن والخروج من المأزق الكبير الذي يعيشه هذا البلد الفقير... المواطن العادي يعاني نقصا في المواد الغذائية ونقصا في الكماليات واصبح موقفه متباينا بين الخوف من المستقبل وتأمين كسرة الخبز اليابسة اما في الارياف فهناك هدوء فاليمن يمتاز بهدوء اريافه التي عاشت امس يوما هادئا ومطمئنا لكن المواطن اليمني المسكين ما يزال أمله لم ينطفئ في ان تنجح المبادرة الخليجية في انهاء محنته الدامية مع قناعته انه لايمكن ان تكون هناك اي ثورة في العالم تقوم على مبادرات لانها كانت اول من وضع العقبة الاولى في طريق الثورة السلمية التي تبدو في رأي كثيرين انها تتعرض الى عملية اجهاض من قبل الاحزاب والاجهزة الأمنية التي ارتكبت جريمة نكراء بحق المعتصمين سلميا الا ان شباب الثورة اعادوا تجمعاتهم في بعض الاماكن بتعز وانتفضت القبائل المسلحة لحمايتهم واليوم تتجه انظار اليمنيين الى ما ستؤول اليه الاوضاع بعد الهجوم الذي تعرض له قصر الرئيس الذي حسب معلوماتنا واصل امس مكوثه بالمستشفى للعلاج من جروح طفيفة اصيب بها لكن يظل ما جرى اول امس مؤشرا خطيرا يؤذن ببداية مسلسل دموي قد ينحدر باليمن نحو هاوية سحيقة ويغرقه في كارثة حقيقية خاصة ان خيارات الخروج من الأزمة لم تعد كبيرة، ولم تعد سبل حقن الدماء يسيرة، كما كانت قبل أسبوع، بيد أنها ما تزال قائمة، وليس أمام أطراف الصراع إلا أن يستشعروا مسؤولياتهم الوطنية، ويعودوا إلى العقل ويدركوا ان الحوار هو المخرج الوحيد من هذه الازمة.