الصدق مع الله من أسمى وأغلى صفات المؤمن فالمؤمن الحق صادق في أقواله صادق في أفعاله صادق في جميع أحواله، فالصادق مُصان جليل، والكذاب مُهان ذليل، ولا سيف كالحق، ولا عون كالصدق، وما أجمل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقا.. الحديث» (رواه البخاري ومسلم). وقال بعض الحكماء: ليكن مرجعك إلى الحق ومنزعك إلى الصدق، فالحق أقوى معين، والصدق أفضل قرين. والصدق من متممات الإسلام ومن مكملات الإيمان لقول الرحيم الرحمن: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} (فصلت:30). والاستقامة لا تكون استقامة إلا بالصدق مع الله في القول والعمل واتباع طريقه المستقيم. وقد أمر الله بالصدق فقال كما في سورة التوبة: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} (التوبة:119)، وأثنى على أهله في سورة الأحزاب: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} (الأحزاب: 23)، وألبس الصادق لباس التقوى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} (الزمر:33)، وبين الله عز وجل لنا ضرورة صفاء الصدق من كل شوائب الكذب فقال تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل} (البقرة:42)، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «أي لا تخلطوا الصدق بالكذب». ثمرات الصدق وللصدق ثمرات زكية ندية يجنيها الصادقون من بستان صدقهم مع الله عز وجل: * الثمرة الأولى: راحة النفس: فالصادق في أقواله وأفعاله يشعر براحة النفس وهدوء الخاطر وطمأنينة لا حدود لها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «الصدق طمأنينة والكذب ريبة». فالكذاب دائمًا في حيرة وقلق، تعصف به الاضطرابات النفسية كعصف الرياح بأوراق الشجر البالية، أما الصادق فلا يشعر إلا بالراحة والأمان والاطمئنان لأنه في حِمى الرحمن. * الثمرة الثانية: البركة في الكسب وزيادة الخير: لقوله صلى الله عليه وسلم : «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما». * الثمرة الثالثة: الفوز بمنزلة الشهيد: لقوله صلى الله عليه وسلم «من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه»، فلو اشتاقت نفسك إلى الجهاد وخوض الحرب المقدسة ضد أعداء الله لرفع راية الله وأخلصت النية في طلبك للشهادة بلغك الله منازل الشهداء وإن مت على فراشك في دارك وهذا ثابت في السنة لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الذين حبسهم العذر يوم تبوك: «إن بالمدينة أقوامًا ما قطعنا واديًا ولا وطئنا موطئا يغيظ الكفار ولا أنفقنا نفقة ولا أصابتنا مخمصةً إلا شاركونا في الأجر وهم بالمدينة، فقيل كيف ذلك يا رسول الله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : «حبسهم العذر فشاركوا بحسن النية». فانظر أخي المسلم كيف أن النية الصادقة جعلت أجر الغازي في سبيل الله كأجر غير الغازي. * النجاة من المكروه: حكى بعض الصالحين أن رجلا هاربا ظل يعدو ويجري خلفه الناس يطلبونه فلجأ إلى بيت أحد الصالحين الصادقين فقال له: اخفني يرحمك الله فهناك من يبحث عني. فما وجد الرجل الصالح غير أن قال له: نمْ هنا ثم ألقى عليه حزمة من الحطب!! فجاء من يبحثون عنه: فقالوا: «أيها الرجل الصالح أين الهارب؟ لقد رأيناه يدخل هنا» فقال الرجل لصدقه: إنه هنا تحت هذا الحطب، فظنوا أنه يسخر منهم ويهزأ بعقولهم فتركوه وانصرفوا.. فنجا الرجل الهارب ببركة صدق الرجل الصالح. فلا ريادة ولا سيادة للأمة إلا بالصدق مع الله عز وجل والعودة الصادقة إلى حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم : «من كان يريد العزة فلله العزةُ جميعا» (وليذكر أولوا الألباب)