ونحن نشق تحوّل القرن آمنين مطمئنين على قرائحنا متكئين على رؤوس أموالنا، خاضعين لأموالنا ذات الرؤوس الفارغة. ربّما لهذا العصر أن يكون وافرا، لكن ليس على الشعر، فوفرة هذا الزمن شخصية أخرى يكتب عنها الشعر في أغراضه كلها... يسمو بها، يتغنى ثم ينشد، يقفّي فيرصّع نحتا من الكبد... هكذا حتى يتناوله الاخرون ملء جيوبهم وملء خزائنهم على أنه حصاد ثقافي من ممتلكات الدولة. لم يجد الفرد منّا زمنا مبنيا على الكامل، أو زمنا في حجم الطويل أو بنكا رقميا على وقع الخبب... أو جيلا تربى على قواعد النحو، أو شبيهة متّزنة على طريقة الخليل... هذا بيان فيه ايضاح تبرز منه الوقاحة عارية والجهل طاغية ومال لغير أهله... ذلك ليفر الشعر بجلده نحو وجهه أصلا لا يعرفها الانسان العادي. يأتي زمن ينخرط فيه الكلّ، تسانده البنوك وتدعّمه عائدات الفساد يُبايعونه تجّار الأسلحة والمخدرات وتؤيّدنه النساء بدعوى أن الصبر شحنة فارغة يتقدم الشعر من على تل كأبهى ما يكون... يتطلّعون عليه ولم يعرفه منه أحد. الشعر كائن منفرد بذاته وله عالم صعب على الانسان العادي أن يتناول الشعر بالتحليل ثم يقول انتهيت في وقت ان الشعر عرج نحو سماء أخرى لا ينزل منها طالما تشبهت به عواصف زمن هجرتها العصافير وتجردت منها قرائح العالم. بين الانسان العادي والشاعر، خطوة عملاقة زمانكية ورؤية غربية الألوان في المضارع المجهول تدعى اختبالا، أو جنونا... لذا ينسحب الانسان العادي من عالم الشعر اختيارا وتبقى الفلسفة والعلم والشعر على منصّة خارج الكون كدت أقول. في هذا الوقت بالذات... لا بد لكلّ الشعوب أن تلجأ الى الشعر حفاظا على مكاسب ثورتها من دنس عقيم، عمدا أقام على تصحيح خطايانا التي لم نرتكبها أصلا. على السلطات التي فوّضناها على رؤوسنا وعقدنا فيها العزم والثقة وبايعناها على خبزنا اليومي وسكينة نومنا وراحة حرمتنا ومقدساتها. أن تحمي قرائحنا من مخاطر الانقراض وتتكفل بكل كائن شعري، دفاعا عنه من الذباب الازرق المنتشر بكثافة خاصة هذه الايام. على السلطات ان تدعم قصائدنا من وهن الخواطر وتحرس قوافنا من أوبئة قد تتسرب، وتجعل لنا منابر دائمة وأوكار ذات ملكية عقارية مما تدعو كل العصافير للجوء إليها في حالة الجوع التي قد تصيب الجوارح البشرية والكواسر الآدمية وطبعا آكلي لحوم البشر. كان لابد من تعيين شاعرا على كل قبيلة حديثة كانت او قديمة توريهم سوءة العصر وحقيقة وجودهم مرايا نظيفة تعكس حقا توازن الكائن البشرى من اخلاق امتصّت عبر أنابيب وقنوات ونحن نائمون. على النساء كل النساء، التشبه بالشعر فإن لم يستطعن فبالشعر، فانه حصن واخلاق وأمان وستر لعرضهن الذي هتكه العصر شماتة لا أكثر. على الشعراء، الانضمام لما هو شعر في كل أحيانهم والتخلي عن «الحسد فانه يغلق باب الرزق». يوم يكون الشاعر في وطني طفلا دائما وفاعلا مرفوعا ومنبرا منصوبا. حينها تستطيع ان تخرج الكثير من العبارات اللؤلئية من قواقعها ولا شيء ألمع منها شرفا.