مبيعات تونس من زيت الزيتون تزيد كمّا وتتراجع قيمة    15 ضحية على الأقل.. تفاصيل محاكمة طبيب تهز ألمانيا!    البيانات المالية للفترة المنتهية في 30 جوان 2025    الخميس المقبل.. جلسة استماع بالبرلمان حول مقترح قانون إحداث خطة "مدرس مادة التربية على وسائل الإعلام    نقابة الصحفيين تدعم ترشيح فرانشيسكا ألبانيزي لنيل جائزة نوبل للسلام..    حريق هائل بمصر يتسبب في خسائر ضخمة    رحيل أسطورة الماراثون فوجا سينغ عن 114 عامًا    عاجل/ فاجعة تهز قفصة..وهذه التفاصيل..    ترافيس سكوت يستعد لجولة "سيرك ماكسيموس" العالمية لعام 2025    رعاية الأحفاد تحمي كبار السن من الخرف: السرّ اللي ما تعرفوش    كيفاش تنجم تنقص من العرق الزايد في الصيف؟ نصائح سهلة وفعّالة    قطعة من المريخ للبيع في مزاد بسعر خيالي... وسوذبيز تكشف التفاصيل    ب33 مليار... ساك يتباع و يحطّم الأرقام القياسية العالمية شنوا حكايتوا ؟    خطير/ دراسة تكشف ما تفعله الهواتف المحمولة ب"مهارات الأطفال"..    شنوا الأسماك اللي التونسي يحبها برشا وشنيا أسعارها في السوق؟    رسميا: ابراهيما كايتا "مكشخ"    رسميا: "فراس شواط" رابع إنتدابات النادي الإفريقي    اللجنة المنظمة لأولمبياد لوس أنجلوس 2028 تعلن عن جدول المنافسات... تبادل تاريخي في جدول المسابقات    تونس تستهدف التأهل الى بطولة العالم للبوتشيا عبر محطة بطولة افريقيا للاختصاص (مدرب المنتخب التونسي)    هل سيستمر البنك المركزي الأوروبي في خفض أسعار الفائدة..؟    سيدي حسين: أحكام بالسجن في حق شقيقين تزعما شبكة لترويج الكوكايين    فظيع/ وفاة شاب إثر تعرضه لصعقة كهربائية..    قبلي: تواصل الحملات التحسيسية لتقديم نصائح حول السياقة الامنة خلال فصل الصيف    أريانة: إعادة فتح مكتب بريد رياض الأندلس خلال الأيام القليلة القادمة    الحماية المدنية: 143 تدخلا لإطفاء حرائق في ال 24 ساعة الأخيرة    السردين: الحوت الصغير اللي فيه فايدة كبيرة...شنوة منفعتو وقدّاش يلزمك تاكل منّو في الجمعة    هام/ 10 أطعمة تحسن صحة الأمعاء.. أبرزها الثوم والبصل..    وزارة الشؤون الاجتماعية: إلغاء إضراب أعوان الشركة التونسية للكهرباء والغاز    سيدي بوزيد: رجّة أرضية تضرب المزونة    رئيس منظمة إرشاد المستهلك: هاو كيفاه لازم نتعاملو مع الشنڤال    النفطي يشارك في حفل استقبال انتظم بمقر إقامة سفيرة فرنسا بتونس، بمناسبة العيد الوطني الفرنسي    كيفاه باش تكون درجات الحرارة الايامات الجاية وحالة البحر؟    طقس اليوم الثلاثاء    عاجل - للتونسيين : تنجم تبعث مشروعك ب0% فوايد! ....تفاصيل مهمة    الفنانة الفرنسية الهايتية نايكا على مسرح الحمامات: سهرة شبابية ممتعة رغم قصر مدة العرض    برنامج الدّورة 66 لمهرجان سوسة الدّولي    ترامب يهدد روسيا بعقوبات في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق حول أوكرانيا خلال 50 يوما    ريال مدريد يتعاقد مع الظهير الأيسر كاريراس    الإسبانية بادوسا ستغيب عن ملاعب التنس بعد إصابة جديدة في الظهر    إلغاء إضراب أعوان ''الستاغ''    علاج جديد للسكري يؤخر ظهور الأعراض لسنوات    بشرى سارة للتونسيين: بدائل لتسهيلات الدفع للراغبين في الاصطياف بالنزل..#خبر_عاجل    سوريا: حظر تجول في السويداء والجيش يعلن ملاحقة "خارجين عن القانون"    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أزمة ديون الجمعيات الرياضية محور جلسة عمل بوزارة الشباب والرياضة    تاريخ الخيانات السياسية (15)نهاية ملوك إفريقية    مهرجان سوسة الدولي:"مقام العشاق"في الإفتتاح" والرشيدية في الإختتام    ديوان الحبوب يؤكد عدم تسجيل أضرار في الحبوب المجمّعة جراء الأمطار الأخيرة    لحظة مذهلة في مكة: تعامد الشمس على الكعبة وتحديد دقيق للقبلة    منوبة: وفاة زوجين وطفلهما في انقلاب شاحنة خضر    من الكاف إلى دبي: توأم التحدي بيسان وبيلسان يسطع نجمهما في تحدي القراءة العربي!    قبل حفلتها في قرطاج : لطيفة العرفاوي توجه رسالة لجمهورها    ب360 مليون؟ أجر نجوى كرم في قرطاج يصدم الفنانين و إدارة المهرجان توضح !    الدورة السادسة لمهرجان الفل والياسمين من 13 الى 16 أوت المقبل بمدينة الحمامات    وزير التربية: قبول الحاصلين على معدل 14 من 20 فما فوق لدخول الإعداديات النموذجية    أعلام من بلادي: عزيزة عثمانة .. أميرة الورع والخير    تاريخ الخيانات السياسية (14): القصر لساكنه..    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وازيناه ! ٭
نشر في الشروق يوم 24 - 06 - 2011

٭ بقلم حسان اليحمدي (أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار)
لم أكن مغرما بالرياضة إلا أنني شأن جميع التونسيين أتابع أحداثها وأتفاعل مع تقلباتها . واستحضرت هذه الأيام قصة لاعب في أواسط التسعينات ينتمي لفريق عريق اشتكى سوء حظه ودكتاتورية المدرب الذي أرغمه كرها وظلما وحقدا وتعسفا... على ملازمة بنك الاحتياط بعنوان أن مؤهلاته لا ترتقي إلى مستوى فرض مكانه في الفريق. وقد تفنن هذا اللاعب في كسب تعاطف الجمهور وحتى في استمالة زملائه وإطار التسيير . وحدث أن طاف بالمدرب طائف من ربك واستبدل بمدرب جديد سبقته تهاليل ومزامير وتصريحات اللاعب المذكور بان الباطل كان زهوقا وأن كل الأمور تدخل في باب الإمهال لا الإهمال . ولا يبقى إلا وجه ربك ذوالجلال والإكرام .
ولم يدم ربيع اللاعب طويلا حتى وضعه المدرب الجديد على رأس قائمة المغادرين الذين لا يرجى نفعهم ولا صلاحهم . فأصبح يبكي أياما كان فيها البكاء مفيدا وكان فيها مقعد الاحتياط مدرارا.
تعودني هذه القصة كثيرا هذه الأيام وأنا أشاهد كثيرا من أباطرة المعارضة وجهابذة السياسة كالفراش المبثوث على شاشاتنا يتعثرون في وحل كلامهم ويتحدثون عن مبادرات لا بدرا مشرقا فيها. وقد حرصت على متابعة أحاديث مجالس الصباح في المقاهي وفي المترو بعد كل ملف تلفزي حتى أرصد ردود أفعالهم . كان الناس يختلفون في أمور كثيرة ولكنهم يتفقون في أن حنين المنتظر قد ظهر بدليل خفيه اللذين نفوز بهما بعد كل شجار تلفزي .......
استمعت إلى الثوار جدا والمستضعفين جدا جدا وهم يسبون البوعزيزي - رحمة الله عليه- في سرهم ويشتمون الرئيس المخلوع الذي كان عليه أن يصمد أكثر حتى لا تخلع عنهم الأيام لباس المضطهدين المحرومين المستضعفين ....
نحن لا نشكك في نضالية كثر من تونس الشهيدة من القوميين في الخمسينات والستينات إلى اليساريين في السبعينات الى الاسلاميين في الثمانينات الى كل أصحاب الرأي الحر الذين ضاق بهم حكام بلدي فاتسعت لهم سجونهم وزنزاناتهم منهم من قضى حتفه وأصبح خبرا , ومنهم من انتشر في الأرض... ولكن كثيرا من هؤلاء المضطهدين جدا جدا يا سادة كان وضع الاضطهاد بالنسبة اليهم مدرارا كبنك الاحتياط.
كانوا يمرون زقفونة على الصراط المهني والوظيفي فيبلغون أعلى المراتب لأنهم مضطهدون كانوا يسطرون برامج الوزارات ويخططون برامج نظام الاضطهاد بعقولهم وينفذونها بسواعدهم ويقبضون عشرات الملايين لانهم مضطهدون كانت عناوينهم المعروفة المطارات ومحل اقاماتهم الطائرات يسافرون على نفقة الدولة أكثر من أي كان قصد الترويح عن النفس لأنهم مضطهدون... كانوا يا سادة يهرولون ويسابقون الرئيس المخلوع وبطانته الفاسدة الى أبواب السفارات الغربية اظهارا لفروض الطاعة فكان يهزمهم تارة ويهزمونه طورا لأنهم مضطهدون... كانوا يا سادة يناضلون في صالونات الفنادق علىالمقاعد الفاخرة والوسائد الوثيرة وعلى ايقاع هسهسات الموسيقى الغربية لا يعرفون كراسينا ولارائحة قهوتنا ولا ماء حنفيتنا لأنهم مضطهدون... كانوا يفتون باسمنا يبايعون الرئيس المخلوع باسمنا ويرشحونه وحيدا واحدا باسمنا ويقتسمون معه خلف الستار باسمنا ويختلفون معه باسمنا ويجيشوننا ضده باسمنا وكنا لا نكترث ولا نبالي لانهم مضطهدون ... كانوا يتحدثون عن تونس وهم يقيمون وراء البحر أكثر مما يقيمون بين ظهرانينا يتحدثون عن الريف التونسي وهم لا يعرفون أم الطبول في السجنان والطارف والمشارقة وهذيل في نفزة والفراجنية في فرنانة وحاسي الفريد في القصرين وحزوة في توزر وسوق الأحد في قبلي ولا يميزون بين التوازين وعكارة لا يعرفون الزرنيس وكرع دجاجة والحلحالة والحلفاء واللايرني لأنها نباتات أرضية وهم مهتمون بمسائل كبرى سماوية وثورية.
كانوا يتحدثون عن السباسب السفلى وهم لا يعرفونها إلا في الجغرافيا ويتحدثون عن الحطب وهم لا يعرفونه الا مع رفيقهم أبي لهب في سورة المسد وكنا لا نبالي لأنهم مضطهدون
كانوا يتكلمون لغة غير لغتنا فيها شيء من رائحة بحر الشمال خوفا من أن يفتضح أمرهم لأنهم مضطهدون. المهم انهم كانوا يفهمون ويتفاهمون مع من يضطهدهم وذلك هوالمهم بالنسبة الينا. كانت لغة الاضطهاد لغة مضروبة ومسكوكة كالذهب كانت مفعمة بالرموز والإيماءات والإشارات كلغة المتصوفة لا يفهمها إلا الشيخ ومريدوه لا تعني العامة في شيء شأن حالنا مع المضطهدين ...
تحضرني أسوة بحكاية اللاعب الانف الذكر قصة العداء المكبل الذي زمجر وأزبد ووعد وتوعد لو حلوا وثاقه لسابق الريح .وعندما فكوا أسره مكث حيث مكانه فتبين لهم انه مكبل حقيقة. يتأسف يا سادة المضطهدون عن زمن الاضطهاد ويتمنون لويعود لان الاضطهاد ابتلاء وكل ابتلاء نعمة ويالها من نعمة كلها نعومة وأفخاذ أنعام ...ترونهم يا سادة هائمين تائهين ساهين سابحين يبكون وينوحون ويصيحون وازيناه أسفا على رحيل المخلوع غير المأسوف عليه وفقدا لمتعة الاضطهاد. المضطهدون جدا جدا يا سادة مازالوا هذه الأيام يستعملون حناجرنا ويتكلمون بأصواتنا ويشهرون سيوفنا ونحن لا نبالي تقديرا لأحوالهم النفسية ولمصابهم الجلل في نعمة الاضطهاد .... نراهم في الأنفاق وفي الشوارع المزدحمة يكلمون أنفسهم بصوت عال ولا يكفون عن ترديد عبارة وازيناه ولا نكف عن رفع أيدينا إلى السماء نتذرع إلى الله ونسأله حسن الختام ...
نعترف أننا لم نكن نقدر في ما مضى يا سادة أن نسترد منهم أصواتنا وألسنتنا ولغتنا التي يجهلونها وأرض وطننا التي لا يعرفونها لأننا كنا حقيقة نحن المضطهدون ...كنا نرى بأعينهم ولا نعرف أن لأعيننا رموشh لأننا كنا مضطهدين ... كانوا يكتبون بأيدينا ولم نكن نعرف أن لأيدينا أصابع لأننا كنا مضطهدين .ونعترف كذلك أننا اخترنا هذه الأيام أن لا نتكلم في غابة الأصوات ومؤتمرات المؤامرات والبيع بالمزاد العلني لأن كثرة الطباخين تفسد الطبيخ ولأننا وطنيون وهم سياسيون وحتى لا نتهم كذلك بالهروب إلى الأمام أما والحمد لله وقد حل هذا الأمام فكل واحد يمكن ان يصبح فقيها وإماما فإننا سنتكلم لأننا وطنيون سنسميهم واحدا واحدا وبعد أن نفرغ من كل فرد سنقول وازيناه بمعنى فرزناه. سنستعين بالله وبطيبة ريفنا وبعذرية لغتنا سينادينا كل واحد منهم وهويبكي وازيناه أسفا على المخلوع وسنفهم ذلك من وازى يوازي موازاة بمعنى فرزناه ... ألم أقل لكم إنهم يتكلمون لغة غير لغتنا فيها شيء من نتوءة بحر الشمال ...
فلهم دينهم ولنا ديننا ولهم وطنهم ولنا وطننا ولهم لغتهم ولنا لغتنا ولهم وازيناه ولنا وازيناه .
٭ وازيناه عبارة من اسم الزين الرئيس الهارب مثل واقدساه واسلاماه واعراقاه وهي صيغة تفيد في العربية الندبة والبكاء والمصاب الجلل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.