«كلّنا نعرف كيف نبدأ الحرب ولكن لا أحد منّا يعرف كيف ينهيها»؟ لا شك ان الساسة الفرنسيين يستحضرون اليوم هذا القول الشهير وهم يلحظون العلامات الأولى لتورطهم في الحرب ضد معمر القذافي. الفرنسيون ليسوا وحدهم من يحارب العقيد لكنهم هم من بدأوا هذه الحرب وتزعموها قبل أن يلتحق بهم الانقليز في اللحظات الأخيرة وقبل أن يفوّض أمر العمليات العسكرية لقوات الحلف الأطلسي. أربعة أشهر مرت منذ بدء هذه الحرب لكن النتائج المسجلة على الميدان تبدو اليوم دون المأمول ودون ما وعدت به القيادات العسكرية وعلى رأسها فرنسا. فالعقيد لا يزال واقفا وكتائبه لا تزال فاعلة وطرابلس لم تسقط. وفي المقابل هلك الآلاف من أبناء شعب ليبيا وهدّمت البنى والمنشآت وتجاوزت كلفة الحرب مئات المليارات من الدولارات.. ولا تزال المأساة مستمرة وقد كان من آخر تجلياتها الأخطاء التي ارتكبها الطيران الأطلسي حين أطلق النار على المدنيين وقتل منهم أبرياء كثيرين. وأمام هذا الوضع بدأ الشك حول فاعلية التدخل العسكري يدب في نفوس السياسيين وأصحاب الرأي في دول التحالف وخاصة منها الولاياتالمتحدة وأوروبا وبدأ الشرخ يظهر في الوحدة التي جمعت هذه الدول حول ضرورة إنهاء نظام القذافي بغطاء شرعي وفرته لها الأممالمتحدة ضمن قرارها عدد 1973، وكانت إيطاليا أحد أكبر شركاء ليبيا الاقتصاديين وأكثرهم حماسا للحرب ضد القذافي أول الخارجين عن صف التحالف حين دعت منذ يومين إلى «إيقاف العمليات العسكرية لأسباب إنسانية» وهو ما رفضته كل من فرنسا وإنقلترا بتعلّة أن هذا الايقاف قد يمكن الكتائب من استغلال الهدنة لاسترداد المواقع التي خسرتها لفائدة الثوار أو لتحصين مواقعها. لكن نفس طلب إيقاف العمليات لئن لم يكن صريحا مثل الذي صدر عن الايطاليين فإنه لم يكن خفيا في أمريكا حيث بدأت الأصوات تتعالى لتنتقد الرئيس أوباما وتتّهمه بالقيام بحرب أحادية دون الرجوع إلى الكنغرس الذي له صلاحيات المصادقة أو الرفض على كل حرب تشنها الولاياتالمتحدة أو تشارك فيها، هذا إضافة إلى كلفة الحرب ضد القذافي التي لم تكن في حسبان الأمريكيين. وفي الحقيقة ان المال الذي هو شريان الحرب أصبح يشكل أصل الخلاف داخل الحكومات المشاركة في التحالف وفي ما بينها لا سيما وأن الحرب تبدو طويلة مؤلمة ومكلفة. فرنسا الحاملة لراية الحرب بدأت تعيش تململا قد يحتد كثيرا يوم 12 جويلية المقبل الذي سيدعى فيه البرلمان بغرفتيه إلى المصادقة على مواصلة الحرب. لكن خزائن فرنسا أفرغتها الأزمة الاقتصادية وجيوشها ليست بالعدد والعتاد الذي يسمح بالاستجابة لمتطلبات حرب طويلة. فرنسا تعلم أنها غير قادرة على حرب مثل التي أعلنتها على القذافي دون إعانة الولاياتالمتحدةالأمريكية لكن هذه الأخيرة استوعبت الدرس من حربيها في العراق وفي أفغانستان والرأي العام فيها كما قادتها الديمقراطيون ليسوا على استعداد لمغامرة جديدة والانتخابات الرئاسية على الأبواب. الحرب ضد القذافي لئن كانت عادلة كما يراها الرأي العام في العالم إن لم يكن كله فجله بدأت تطرح سيناريوهات عديدة أمام مشهد الغرق في المستنقع الذي تشكله حركة الكر والفر المتواصلة بين الثوار والكتائب وانفجارات قنابل طائرات الأطلسي التي لا تنتهي ولا تجدي نفعا كثيرا. ومن هذه السيناريوهات استدامة هذه الحرب سنوات عديدة أخرى بين أنصار نظام القذافي ومناهضيه، ومنها كذلك تقسيم ليبيا إلى دويلات ثلاث اعتمادا على الواقع التاريخي لهذا البلد الذي لم يتوحّد إلا في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي وقد يجد هذا السيناريو داعمين من قوى العالم الطامعة في الثروات البترولية. ويبقى السيناريو الأفضل في رحيل القذافي لكن كيف وهو يعد بحرب ما بعد القيامة؟