التصفيق أكثر من السياسة... ذلك هو العنوان البارز في مسرحية خطاب بنيامين ناتنياهو في الكونغرس الأمريكي...فبين الكلمة والكلمة هناك تصفيق ...وبين الحرف والحرف يقف أعضاء أخطر وأهم مكان لصناعة السياسة في العالم ليصفقوا لجزار آخر من جزّاري إسرائيل ليقول بكل صفاقة: «إن إسرائيل لن تعود إلى حدود عام 1967!!!» ثم يضيف رافعا سقف وقاحته إلى أعلى مستوى: «على السلطة الفلسطينية أن تمزق اتفاقها مع حماس!!!» وتقديرا لصفاقته ووقاحته نال ناتنياهو الأضواء والتصفيق ونظرات الإعجاب من أعضاء الكونغرس كأنه الحاكم بأمره حتى في أمريكا نفسها. خطاب ناتنياهو نسف خطاب أوباما إلى العرب قبل أيام نسفا وأكد مجددا أن مركز صناعة القرار النهائي ليس في واشنطن بل في تل أبيب فهي «الوطن الأم» للقرارات السياسية الجائرة ومهد المؤامرات الكبرى والنوايا الماكرة. فمن نصدق إذن... باراك أوباما الذي يحاول إرتداء ثوب العدل والحرية أم بنيامين ناتنياهو الذي يرفض الخروج من ثوب المراوغ والسفاح؟! فتحت أضواء الكونغرس بدا ناتنياهو أقوى بكثير من أوباما وأكثر تأثيرا ونفوذا وسطوة حتى داخل الكونغرس نفسه لأنه يعي جيدا حجمه الحقيقي مادامت اللوبيات الصهيونية نافذة القول والفعل داخل الكونغرس وفي كل أمريكا ولا أحد بوسعه الخروج عن بيت الطاعة الصهيونية في بلد هو أول من اعترف بإسرائيل إبان النكبة وظل على الدوام حليفها العضوي. لقد فعل ناتنياهو ما أراد في الكونغرس... وقال ما رغب فيه ...وتحدى مثلما شاء...وحذر ما استطاع...فكوفئ بالتصفيق الحار جدّا على رفضه القاطع عودة إسرائيل إلى حدود عام 1967...وغمرته الأضواء خضوعا لنظراته الصارمة...وتحديه السافر لأعضاء الكونغرس في عقر دارهم وللعالم بأسره... مسكين أوباما...ومساكين من صدقوا أن إسرائيل سترخي جناح الذل وترضى بالعودة إلى تلك الحدود الحلم!!! إنها لعبة الأمم هكذا وصفها قبل عقود سياسي أمريكي مغامر هو ما يلزكو بلاند في كتاب يحمل هذا الاسم: لعبة الأمم...لعبة أحجار على رقعة شطرنج كلنا فيها «كش» إلا إسرائيل!!! نعم، لقد كان التصفيق أكثر من السياسة في خطاب ناتنياهو في الكونغرس... فلا جديد لديه كي يزفه إلى العالم وإلى العرب خصوصا... فلا عودة إلى حدود عام 1967 ...ولاسلام....ولا مفاوضات...فقط المزيد من الإستيطان والقتل والتشريد والتعذيب والقمع... لا جديد تحت الشمس ولا تحت القمر إذن، ذلك هو النهج الذي يسير عليه القتلة الاسرائيليون من ديفيد بن غوريون إلى بنيامين ناتنياهو وإلى من سيأتي لاحقا وتلك هي العقيدة الايديولوجية والسياسية والعسكرية الإسرائيلية التي لا تتجدد. فلماذا لا يؤمن العرب وهم في عزّ ثوراتهم على الظلم والفساد والإستبداد أن حل القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط برمتها في أيديهم... وأنهم وحدهم من يقرر مصيرهم ،وأن لحظة الغضب العربي التي هي بصدد نسف عقود من طغيان الحكام ستكون كفيلة بنسف عقود من الغطرسة الصهيونية والتآمر الغربي والتخاذل العربي؟ هذا هو القدر المتجدد، فهل يجرؤ العرب عليه؟ إن مفهوم الجرأة في سياقة العربي الراهن لم يعد أمرا نسبيا أو محض حلم أو إحتمالا مؤجلا. بل صار يقينا وأمرا واقعا بعد أن أثبتت الشعوب العربية قدرتها على التعاطي الشجاع مع واحدة من أعقد قضايا العرب وهي الإستبداد، وذلك حتم على العالم وبالخصوص الغرب منه التطلع إلى العرب بمنظار مغاير وبعيون الإعجاب بعد أن تهاوت صورتهم وخفت صوتهم طيلة عقود ماضية مثقلة بالهزائم والخيبات والإنكسارات... لقد عاد العالم من بعيد ليكتشف العرب ويستبطنون أبعاد ثوراتهم الراهنة وما تخفيه من عزم على إعادة ترتيب البيت وضبط الأولويات على أساس الحرية والكرامة، وهو ما فتح الطريق أمام إنبثاق أسئلة نوعية أخرى أهمها سؤال المصير العربي الشامل إزاء التحدي الذي فرضته إسرائيل منذ النكبة وبالخصوص منذ حرب عام 1967...سؤال يبحث له المتابعون والملاحظون عن إجابة من رحم الثورات العربية التي ترفع اليوم شعارا مؤرقا لإسرائيل وللغرب: «الشعب يريد تحرير فلسطين»... وماحيلة إسرائيل والغرب إذا أرادت الشعوب العربية التي تم تغييبها وتكميمها طيلة العقود الماضية ؟ وهاهي اليوم تعلن صحوتها ويقظتها وصوتها وحلمها وفي قلبها تنبض فلسطين.