1 كان قرار حلّ البوليس السياسي، أول قرار عملي بعد ثورة الكرامة منذ انطلاقها يوم 17 ديسمبر 2011. وإن صاحب هذا القرار أخذ وردّ حول عدد رجال الأمن السياسي الحقيقي ما بين 200 أو عشرات الآلاف. وقد حضرت صدفة، بتوجيه من عون أمن طلبت منه معلومة حول تأخير الرد على مطلب تكوين الحزب الشعبي للحرية والتقدم، بُعيد حلّ البوليس السياسي بيومين اثنين عن نيابة الوحدات المختصة بوزارة الداخلية، حضرت تجمهرا لعشرات أعوان البوليس السياسي وهم يزمجرون ويهدّدون بالإضراب والفوضى مطالبين بإقالة عدد من رؤسائهم، وكان مخاطبهم، وكلهم بالزيّ المدني يطلب منهم التريّث لأربعة أيام وكانوا يجيبون: لن نصبر أكثر من 48 ساعة على أقصى تقدير، وهنا، وضمن الزحام، انبرى رجل يسأل: هل يوجد اسمي ضمن قائمة الأعوان الذين ستقع رسكلتهم؟ وأجابه المسؤول لا يمكن لي التثبت من اسمك الآن ضمن قائمة تفوق الثلاثة آلاف اسم، وكان يقلّب كراسا خطت فيه أسماء مكتوبة بالقلم الجافّ. اكتشف المسؤول وجودي، وصاح في وجهي: ماذا تفعل هنا؟ وطلب مني مغادرة البناية حالا. 2 نعم، تلك هي الخطوة الأولى السليمة بعد حلّ البوليس السياسي، وهي رسكلة أعوان هذا السلك، رسكلة جديدة بذهنية جديدة، تجعل منهم أعوانا في خدمة المواطن، لا خدمة السلطة القائمة، وهذا الأمر يتطلب مراسا طويلا لتغيير جذري في عقلية رجل الأمن وعقلية المواطن في الآن نفسه. ومن المنطلق يجب أن تتغير النظرة في الاتجاهين لينتفي الخوف لدى المواطن من رجل الأمن وتنتفي نظرة الاحتقار والإهانة والابتزاز للمواطن لدى رجل الأمن، من أجل بناء ثقة جديدة متبادلة بين الطرفين، يكون فيها القانون هو الفيصل ومصلحة البلاد العليا ولا شيء غير ذلك. هكذا تبنى تونس جديدة، قوامها المواطنة الحقّ. 3 ومن أجل هذا الهدف النبيل، يجب إعادة تكوين المكوّنين، في مدارس الأمن وتغيير البرامج المسداة، والتركيز على كرامة المواطن المعنوية والجسدية وبالخصوص الإنهاء الباتّ للعقوبات الجسدية والتعذيب بكلّ أشكاله. ولن يتمّ طي صفحة الماضي إلا بمحاسبة كل المسؤولين عن التعذيب مباشرة أو بإعطاء الأوامر لذلك، وكلنا يعلم أن جرائم التعذيب في كل أنحاء العالم لا تسقط بالتقادم، وفي هذه المحاسبة بناء للمصالحة الحقيقية التي يجب أن تتمّ بالشفافية المطلقة وبشكل علنيّ وإلا بقيت القلوب متورّمة والداء ساكنا في دواخل المظلومين ولا يملك أحد ضمان عدم تفجّر تلك المخزونات الخطيرة في يوم من الأيام بأشكال عنيفة ومدمّرة. 4 ويحقّ لنا أن نحلم لأنفسنا ولأبنائنا ولأحفادنا، بتونس أخرى مغايرة، تعيش الأمن والأمان في ظل أمن وطني حقيقي، همّه الأوحد السلم الاجتماعية واستقرار تونس لينطلق أبناؤها في بناء المستقبل بكل طمأنينة وراحة بال. وهذا لا يعني عدم وجود أمن قويّ لا تنام أعينه وان كان في الامكان أن يكون هذا الأمن القوي غير بارز للأعين يعمل في تقيّة وتخفي وبلا استفزاز للمواطن أو استعراض للعضلات، لأن هدفه الأسمى هو خدمة المواطن واستقراره، لا تخويفه، وهذا تحت شعار ثورة تونس المباركة: «لا خوف بعد اليوم». كاتب وناشط سياسي