بقلم : الحبيب حسن اللولب (رئيس جمعية البحوث والدراسات لاتحاد المغربي العربي) تمادت الحكومة الفرنسية في عجرفتها بعدم اكتراثها حيث قابلت الدعوة التونسية بإرسال المزيد من التعزيزات العسكرية استعداد من «عنابة» و «وهران» لتنفيذ جريمتها رافضة لغة الحوار ومتناسية أن تونس دولة مستقلة ذات سيادة وأن الوجود الفرنسي غير شرعي. وفي هذا السياق أيضا نفذت الطائرات الفرنسية غارة على بنزرت حيث أمطرتها بوابل قنابلها المدمرة والحارقة ضد المدنيين الأبرياء ببنزرت والقرى المجاورة لها والبواخر الحربية تقذف بمدفعيتها سواحل بلادنا وجنود من فيلق المظلات تحت حماية الدبابات والمصفحات يصوبون نار أسلحتهم الفتاكة نحو المتظاهرين العزل والمتطوعين المرابطين بالسدود والحواجز تلك هي الصورة الشنيعة للعدوان الفرنسي 13. وهكذا نفذت فرنسا جريمتها ضد الشعب التونسي الذي كان يطالب بسيادته الكاملة وبحقه في بسط نفوذه على الأراضي التونسية وإنها تكن له الحقد والضغينة ولم تغفر له مواقفه الداعمة للشعب الجزائري الشقيق ولهذا نراها تستغل الأحداث لتصب جام غضبها على هذا الشعب الأبي الذي طبقت في حقه الحصار المالي الاقتصادي والاعتداءات المتكررة. أدلى الرئيس بورقيبة بتصريح للصحافة تحدث فيه عن نتائج العدوان الفرنسي «بأنه في يوم 20 جويلية 1961 استشهد عشرون مواطنا بمنزل بورقيبة وأصيب عدد آخر بجروح وسقط كذلك بمنزل جميل أحد عشر عونا من الحرس الوطني شهيدا كما جاء في «العمل» أن هناك فرقة من الجنود التونسيين تتكون من مائة وثلاثين جنديا ليست لنا أخبار عنهم14. وفي بيان آخر ذكر أن عدد ضحايا الغارة الجوية قد بلغ ست مائة جريح من بينهم مائة جريح في حالة خطيرة15. سلمت القوات العسكرية الفرنسية بعد ظهر يوم 21 جويلية 1961 إلى السلطات التونسية بمنزل بورقيبة مائة وخمسين جثة من الشهداء من بينها عدد من المدنيين التونسيين الذين أسروا ليلة 20 جويلية 1961 ثم أعدموا من طرف الجيش الفرنسي16. وقدمت إحصاءات جديدة للشهداء والجرحى نتيجة العدوان الفرنسي وتمثلت في ست مائة وسبعين شهيدا وألف ومائة وخمسة وخمسين جريحا 17. والملاحظ أن هذه الرواية قد فندها الدكتور رشيد ترأس رئيس بلدية بنزرت السابق الذي كان متواجدا على أرض المعركة حيث صرح «أن هنالك ما بين خمسة ألاف وستة ألاف شهيد تونسي قد أبادهم الجيش الفرنسي عن بكرة أبيهم18.» وهنالك رواية أخرى تقول بأنه استشهد أكثر من ستة آلاف وهذه المجزرة التي ارتكبت في الشعب التونسي تعتبر جريمة إنسانية والملاحظ أن الحكومة التونسية لم تكن تتصور بأن رد الفرنسي سيكون بهذه الوحشية بل كانت تتصور بأن هذه المعركة ستكون مثل معارك السدود والحواجز وهذه المعركة غير متوازية حيث دخل الجيش التونسي ويسانده الأهالي بأسلحة تقليدية لأن الحكومة الفرنسية رفضت بيع الأسلحة للدولة التونسية وتدخلت لدى الدول الأوروبية لتقنعها بصواب وجهة نظرها بحجة أن هذه الأسلحة ستسلم للثوار الجزائريين وفي المقابل استعد الجيش الفرنسي لهذه المعركة أحسن استعداد ونلمس ذلك من استخدامه لطائرات واستعانته بالمظليين وهم نخبة مدججة بأحدث الأسلحة. وفي الحقيقة أن هذه المعركة كان لا بد من وقوعها لتصحيح وضعية بنزرت لأن مفاوضات الفرنسية الجزائرية توشك على النهاية للاعتراف باستقلال الجزائر ولهذا كان من المفروض توضيح وضع بنزرت وقد أعطيت أجوبة تسويفية ومبهمة من طرف دي غول وقد رفض دخول في مفاوضات حول بنزرت وترسيم الحدود بل كانت له نية مبينة لاحتفاظ بها مع مناطق استراتيجية بالجزائر مثل المرسى الكبير بوهران كل هذا من أجل الانتقام من الموقف التونسي الداعم والمساند لثورة الجزائرية وهو يعي بأن هزيمة فرنسابالجزائر سببها التونسيون فأراد معاقبتها بالاحتفاظ بنزرت. 5 موقف الشعب الجزائري من العدوان الفرنسي على بنزرت ا/ موقف الحكومة الجزائرية المؤقتة من العدوان الفرنسي على بنزرت : وقد تعاطفت الحكومة المؤقتة الجزائرية مع الشعب التونسي ونلمس ذلك من خلال برقية تأييد ومساندة أرسلها فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية إلى الرئيس بورقيبة هذا نصها : «أمام الاعتداء السافر الذي كان ضحيته الشعب التونسيببنزرت نؤكد لكم تضامننا معكم وأننا نستنكر مرة أخرى هذه الجريمة الاستعمارية الجديدة كما أننا متيقنون من أن الشعب التونسي الشقيق سيخرج من هذه المحنة منتصرا»، وإثر هذه الجريمة عبرت الحكومة الجزائرية المؤقتة عن تضامنها مع الشعب التونسي وفي الوقت نفسه أدانت جريمة الجيش الفرنسي في حق الأهالي العزّل. وفي هذا الاطار أيضا نشرت الحكومة المؤقتة الجزائرية البلاغ التالي : «إن العدوان أصبح ضحيته الشعب التونسي في بنزرت هو عدوان موجه ضدّ كافة الشعوب المكافحة في سبيل تحرير بلدانها تحريرا كاملا من الاستعمار ومخلفاته إن الشعب الجزائري وحكومته ساندوا دائما ويساندون اليوم أكبر مما كان في الماضي كفاح الشعب التونسي لتحرير بنزرت من الاحتلال الأجنبي، وقد عبرت الثورة الجزائرية دائما وباستمرار عن تضامن الشعب الجزائري وحكومته مع الشعب التونسي في خصوص قضية الجلاء عن بنزرت وكنا نرى هذا التضامن دائما وممكنا إلى حدّ المشاركة الإيجابية، موقف الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ويعبر عن مشاعر كامل الشعب الجزائري الذي يعتبر الكفاح الذي يقوم به الشعب الجزائري لتحرير كامل ترابه الوطني...وتندد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بالعدوان الفظيع الذي ذهب ضحيته الشعب التونسي الشقيق والذي نعبر له مرة أخرى عن تضامننا الأخوي معه ومساندتنا له في كفاحه من أجل تحرير بنزرت. 13 الطليعة، عدد خاص، 23 جويلية 1961، اعتداءات فرنسية على بنزرت، ص1 14 العمل ،ع، 1786، 21 جويلية 1961، تصريحات الرئيس بورقيبة ص6 15 نفس المصدر ، جرحى بنزرت ومنزل بورقيبة ص2 16 نفس المصدر، ع 1787، 22 جويلية ، القوات الفرنسية تسلم جثة مائة وخمسين شهيدا،ص6 17 العمل ، ع 1789، 24 جويلية 1961 إحصائية للعدوان الفرنسي ص3 18 شهادة الدكتور رشيد ترأس يوم 05 ماي 2006 بتونس