اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة، فإنه صغير جرمه عظيم طاعته وجرمه، اذ لا يستبين الكفر والايمان الا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان، و من أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخى العنان سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه الى شفا جرف هار الى أن يضطره الى البوار، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شر اللسان الا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه الا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله، ففي حديث معاذ رضي الله عنه قوله ص : «وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم «والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته، فإن الانسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، ثم يحصد يوم القيامه ما زرع، فمن زرع خيرا من قول او عمل حصد الكرامة، ومن زرع شرا من قول او عمل حصد الندامة، وظاهر حديث معاذ يدل على ان أكثر ما يدخل الناس به النار النطق بألسنتهم، فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك وهو أعظم الذنوب عند الله عز وجل، ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك، ويدخل فيها شهادة الزور والسحر والقذف وغير ذلك من الكبائر والصغائر كالكذب والغيبة والنميمة، وسائر المعاصي الفعلية لا تخلو غالبا من قول يقترن بها يكون معينا عليها. وقد ورد في فضل الصمت أحاديث كثيرة منها حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال : «قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ قال : هذا وأخذ بلسانه».