الخطوة التي أقدم عليها شارون من خلال اغتيال أحد قياديي «حماس» في دمشق لا يمكن وصفها الا بأنها سابقة خطيرة وخطوة «مجنونة» هدفها ادخال المنطقة برمتها في حالة حرب، ذلك ان شارون الذي توجته أمريكا بأنه «رجل سلام» لا يمكن ان نستغرب منه مثل هذه الاعمال بل ان العكس هو الذي يجب ان نستغربه على اعتبار ان هذا الأخير ومنذ تسلمه مقاليد الحكم أبى الا ان يشعل فتيل الحروب في مسعى من جانبه لوضع المنطقة بأكملها على فوهة بركان. ولا شك في ان هذه الحادثة الاخيرة وبقدر الخطورة التي تكتسيها فإنها تعكس في المقابل مخططات الحكومة الصهيونية وسياسة الهروب الى الأمام التي تنتهجها متحدية بذلك جميع النداءات الداعية الى وقف حمام الدم وايجاد انطلاقة جديدة تجنب المنطقة هزات أخرى والدخول في منزلقات خطيرة. ولم يقف الموقف الاسرائيلي في هذا الاطار عند الهروب الى الأمام بل صاحبه تعنت وصل حد تهديد شارون بطرد عرفات وبضرب دمشق وايران مراوحا في ذلك بين «الترويج» لبالوناته المثقوبة من خلال تصوير نفسه على أنه «رجل سلام» بحق وبين قصف الأبرياء ودك بيوتهم بمختلف أنواع الأسلحة والطائرات والدبابات الأمر الذي حوّل حياة الفلسطينيين الى جحيم لا يطاق. ولعله من غير المستبعد أو من قبيل المزايدة اللفظية أن يقدم «السفاح» على مثل هذه الخطوات المجنونة بما أن ممارساته الاجرامية وتهديداته المتواترة تلقى في المقابل تأييدا أمريكيا واضحا وصمتا عربيا مريبا. كما انه ليس من الغرابة بمكان ان يعمد شارون الى استهداف قادة «حماس» وفي دمشق بالذات بل أن ما يثير الاستهجان هو هذا الصمت المطبق الذي يخيم على العالم بأكمله تجاه هذا العمل «المجنون» في وقت «تهتز» فيه بعض الجهات والمنظمات من أجل أحداث أقل خطورة مما هي عليه الآن في الاراضي الفلسطينية المحتلة وذلك خدمة لأغراض لم تعد خافية على أحد. وبناء على ما تقدم فإنه لا يستبعد ان يكون هدف هذا التصعيد الشاروني المبرمج هو العمل على الضغط على الفلسطينيين والعرب ل»الركوع» أمام الضغوطات الأمريكية والاسرائيلية لإغلاق الملف الفلسطيني الى مرحلة «معينة». ولعل ممارسات شارون «وحماقاته» هذه تعتبر دليلا واضحا على «النوايا المبيتة» والخطط الاجرامية التي يحضّر لها السفاح تجاه المنطقة بشكل عام... وليس من المبالغة في شيء القول هنا أن مايعزز هذه «الرؤية» هوعدم جدية الولاياتالمتحدة في التعامل مع الملف الفلسطيني وهو الأمر الذي بدا جليا خصوصا بعد غزو العراق والذي لا يشك أحد أن شارون كان أحد أبرز الأطراف «الفاعلة» فيه حيث تؤكد الوقائع والتطورات التي أفرزتها هذه الحرب وتداعياتها سعي الادارة الأمريكية الحثيث للانتقال من سياسة «الترويض» الموائمة لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة الى الموائمة مع مصالح الكيان الصهيوني في مسعى لجعل مسار التطور في المنطقة يصب في خدمة المصالح الامريكية والصهيونية وذلك لغرض «تركيع» دول المنطقة بشكل يجعل أمريكا في نظر العرب بمثابة «السيد» تأمرهم فيطيعون... وتغضب عليهم ف»يستمطرون» رحمتها.. فهل أدرك العرب خفايا اللعبة؟