اندلعت الثورة وامتدت الى الجريد ومنطقة القيروان وانتشرت غربي الكاف وأدركت في شهر افريل ضفاف وادي مجردة، ففي أقل من شهر كادت أن تغطي الثورة كافة أطراف البلاد، وفي الأثناء كانت القوارب ظاهرة للعيان من مالطة محمّلة بالبارود الانقليزي الذي يدخل البلاد أمام الجميع بالرغم من تحجير دخوله، وكان عرب القبائل الشاقة عصا الطاعة يشترونه من التجّار اليهود المستقرين بالمدن الساحلية، وكانت القوافل التي تستطيع دون غيرها السير في أمن وأمان تحت حراسة الثائرين أنفسهم هي التي تكون حمولتها البارود أو الرصاص وأخذ الأعيان زمام الحركة في عدّة جهات. ولاذ العمّال والخلفاء بالفرار أو احتجبوا عن الأنظار، واستولى الثوار على وثائقهم الرسمية وطوابعهم، ونهبوا مطامير حبوبهم وتبادلوا بينهم الأيمان المغلّظة من حول موائد الطعام على الثبات الى النهاية فيما هم بصدده وعلى البقاء متحدين حتى يفوزوا بالمرام. وقد تولى قيادة الثورة في جلاص رجل من ذوي الجاه يقال له السبوعي بن محمد السبوعي، وفي بطن رياح تولّى زعامتها ابن دحر. أما غربي البلاد فالذي ثبتت له الزعامة هو رجل من ماجر يحسن القراءة والكتابة يدعى علي بن غذاهم، والظاهر أن ذلك حصل له بفضل التأييد الذي حظي به من طرف طريقة التيجانية التي لها مكانة كبيرة في تلك السنة ويعود علي بن غذاهم واسمه الكامل علي بن محمد بن غذاهم الماجري الى عرش أولاد مساهل من قبائل ماجر البربرية ولد سنة 1814، وتوفي سنة 1867 كما سنرى ذلك لاحقا، تلقى نصيبا من العلم في جامع الزيتونة وتعلم الطب والقضاء على يدي والده. كان علي بن غذاهم في الخمسين من عمره عند اندلاع الثورة وحسبما يلوح فإن قبيلة ماجر هي أوّل قبيلة أطلقت عليه لقب «باي الشعب» كأولاد عيار والفراشيش ووثيقة حتى صار الزعيم الأعلى للثوار. وكانت البرقيات القنصلية تشير من أسبوع الى آخر الى انتشار الحركة الثورية فتقول مثلا «إن مدينة الكاف قد وقع السطو عليها ونهبت بها ستة دكاكين وانقطعت المواصلات بضواحي القيروان. أما بجهة قابس فإن المحلّة التي يقودها سي سليم قد طوّقها الثوار، وعلى مقربة من الحدود التونسية الليبية دارت معركة بين قبيلتي النوائل وورغمة أسفرت عن ألف وثلاثمائة بين قتيل وجريح مازالت جثثهم وأجسادهم ملقاة على الأرض، ومازالت اللصوصية تعبث فسادا في كل مكان، وتعطلت حركة القوافل، أو إذا كان لابدّ لها من التنقل اضطرت لسلوك غير الطرق الجادّة، وهي أطول بكثير مما اعتادت سلوكه فيما مضى. يتبع