«العنف» أصبح أحد الملامح الأساسية للمجتمع التونسي مؤخرا. وتجسّم في عنف لفظي اكتسح الفضاء العام وغيّر آليات الخطاب بين الناس، وعنف مادي يُهدّد الجميع في أي مكان . تونس الشروق: ظاهرة العنف استفحلت في تونس حتى أصبحت هاجسا يؤرق جزءا من التونسيين الذين فقدوا الإحساس بالأمان. كما أصبح العنف عقيدة الجزء الآخر من الشعب وآليته الوحيدة للتعبير، حتى أن الامر تطور وبلغ حد تصدير العنف إلى ساحات قتال خارجية اللافت في ظاهرة العنف في تونس أنها امتدت على نسبة عالية من فئة الشباب، حتى أن العنف أصبح السمة الطاغية على هذه الفئة. وهو ما جعل الخبراء يدقون ناقوس الخطر إيذانا بضرورة التحرك لتطويق هذه الظاهرة والبحث في اسباب تشكّلها وآليات تفكيكها. بعض الارقام والاحصائيات المتعلقة بهذه الظاهرة تؤكد أن نسبة قضايا العنف في تونس بلغت 25 بالمائة من مجموع القضايا في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2017. حيث كشفت دراسة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول «العنف الحضري بتونس»، أن المجموع العام لقضايا العنف في تونس تجاوز في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2017 أكثر من 600 ألف قضية مسجلة، أي بمعدل 25% من العدد الجملي للقضايا. وهو ما يعكس ارتفاع مؤشر العنف بالبلاد. العنف في الوسط التربوي أما العنف في الوسط التربوي فهو من أكثر المظاهر اللافتة للنظرفي الفترة الاخيرة. حيث تؤكّد الاحصائيات أنه خلال سنة 2017 تواصل بوتيرة مرتفعة. ووفق الدراسة التي أصدرها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية فإن حالات العنف الصادرة عن التلاميذ خلال الأشهر العشرة من سنة 2017 بلغت 14792 اعتداء، وقد تم تسجيل 7392 حالة عنف مادي صادر عن أستاذ داخل المؤسسة التربوية، حين تم تسجيل 4812 حالة اعتداء مادي صادرة عن بقية الاسرة التربوية من اداريين وغيرهم.ومن جهة أخرى ووفق نفس الدراسة تم تسجيل 5552 حالة اعتداء عنف لفظي خلال نفس الفترة صادرة عن تلاميذ و920 حالة عنف لفظي صادرة عن اساتذة و815 حالة صادرة عن بقية الاسرة التربوية . الملاعب ايضا تُعتبر حاضنة أساسية للعنف فالارقام المتعلقة بهذا الملف مفزعة، حسب ما أكدته وزيرة الشباب والرياضة ماجدولين الشارني مؤخرا. حيث قالت في تصريح اعلامي إن تونس سجلت 238 حالة عنف 90 بالمائة منها في ملاعب كرة القدم منذ انطلاقة سنة 2018 الى غاية منتصف شهر مارس .هذه الحالات نتج عنها حسب الوزيرة، 200 إصابة منها 25 في صفوف الأمنيين. وأشارت الوزيرة الى وجود 600 ألف قضية عنف في الست سنوات الأخيرة، معظمها في كرة القدم. العنف السياسي المشهد السياسي لم يكن منفصلا عن باقي جزئيات المشهد التونسي عموما فالسياسيون تميزوا بمستوى عنف لافت في الفترة الاخيرة. عنف انقسم الى جانب اللفظي تُجسده الخطابات المتشنجة والداعية الى الكراهية والصراع وجانب مادي تجسم في عديد الصراعات بين السياسيين خاصة في مجلس نواب الشعب الذي تحوّل في كثير من المرات الى حلبة للملاكمة . هذه المشاهد التي تُنقل الى العائلات التونسية ساهمت بشكل كبير في تغذية ظاهرة العنف خاصة ان السياسيين يُعتبرون «قدوة «وممارستهم للعنف يمكن اعتبارها تشريعا له وتحريضا على ممارسته. الباحث في علم الاجتماع ممدوح عزالدين يؤكّد ان منسوب العنف في تونس في استقرار ولم يصل بعد الى مستويات يمكن القول بأنها «مرضيّة « وتهدّد المجتمع. واكّد أن الأرقام المتعلقة بالعنف لم تتغير بشكل كبير مقارنة بسنوات ما قبل 2011. وأضاف ممدوح عز الدين ان تسليط الضوء على ظاهرة جزئية او عابرة عبر وسائل الإعلام يجعلها تبدو في شكل ضخم. وشدّد على وجود تغيّر في نوعيّة الجريمة بعد 2011، مشيرا الى أن محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه في فضاء عام تعبيرا عن احتجاجه ومحاولة لرد اعتباره كان صورة تم استنساخها في ما بعد عديد المرات بأشكال مختلفة . واضاف ممدوح عز الدين أن ما يُلاحظ هو وجود جرائم مجانية في الفضاء العام فيها الكثير من «المشهديّة « وهي جرائم مجانية بلا تاريخ او أسباب واضحة وتحمل الكثير من «السّادية « والتوحّش كما اعتبر ان ما أصبح يُميّز الجريمة هو تداخل المرجعيات فهناك جرائم لها مرجعية تقليدية مثل «جرائم العروشية « وهناك جرائم حداثية مثل قتل الاخ لأخيه وقتل الزوجة لزوجها والزوج لزوجته ..حيث تحوّلت العائلة من إطار يحمي الفرد من الجريمة إلى مصدر للجريمة . وعن اسباب هذه الجرائم قال ممدوح عز الدين إنها تعود في جزء منها الى المخدرات التي انتشرت بشكل كبير في تونس، إضافة الى عوامل التحولات بعد سنة 2011 ، والعنف اللفظي الذي يُنقل عبر وسائل الاعلام ويصدر عن السياسيين ونواب البرلمان ..وأشار الى وجود ازمة قيم وازمة قدوة في تونس . يُضاف هذا الى الازمة الهيكلية التي تعانيها العائلة التونسية وموت الدور التقليدي للأب، وارتفاع نسب الفقر والتهميش والاقصاء الاجتماعي..واعتبر ممدوح عز الدين أن هذه العوامل تجعل الشباب امام ثلاثة احتمالات إما يفكّر في الهجرة، أو يتوجّه الى مناطق القتال، او يمارس الهجرة المخيالية عبر المخدرات .كما أشار الباحث في علم الاجتماع الى أن من اخطر ما يؤثث ظاهرة العنف، انتحار الاطفال واعتبر انها ناتجة عن عديد الاسباب منها الانقطاع المدرسي . واعتبر المختص في علم الاجتماع محمد الجويلي في تصريح اعلامي أن العنف جزء من التركيبة البشرية.واشار الى ان ظاهرة العنف في تونس تفاقمت خلال ال7 سنوات الأخيرة›، ملاحظا أن العنف كان موجودا قبل الثورة ولكن الدولة كانت قادرة على إخفاء جزء منه لتكون بذلك هي الأكثر احتكارا لهذه الظاهرة.واضاف أنه كلما تفاقمت ظاهرة العنف في مجتمع معين فإن ذلك يعكس ضعف الدولة. أرقام ودلالات 600 ألف قضية عنف بين سنوات 2010 و2017 5552 حالة عنف لفظي صادرة عن تلاميذ 7392 اعتداء مادي صادر عن أساتذة