تولى صلاح الدين مقاليد الامور في مصر بعد موت الخليفة الفاطمي فزاد في تحسين العلاقات بينه وبين نورالدين حتى لا يشعر انه يريد الانفصال عنه والاستئثار بالحكم بل تجنب كل ما من شأنه ان يشتم منه رائحة الخروج عليه للصلة التي كانت بينهما في عهد عمه شيركوه وللاحسان الذي اغدقه نور الدين عليه حين كان في مقتبل العمر وريعان الشباب . فلم تمض فترة قصيرة من الزمن حتى اقام الخطبة في المسجد لنورالدين بعد الخليفة العباسي وضرب النقود باسمه وارسل له الهدايا الثمينة من كنوز القصر وهذا كله اظهارا للفضل واعترافا بالجميل وتحديدا للولاء . وفي هذه الفترة التي كان صلاح الدين يحكم فيها مصر اراد بعض الوشاة من امراء الجيش الذين امتنعوا عن خدمته وابوا الاقامة معه في مصر ان يوغروا صدر نورالدين وان يؤججوا بينهما نار العداوة والبغضاء وقد اثرت محاولاتهم بعض التأثير وكادت تقع بينهما اضطرابات وفتن ولكن العقلاء استطاعوا ان يتداركوا الامر وان يحذروا الطرفين من مغبة العداوة وانه سوف لن يستفيد من هذا الخلاف ان وقع سوى العدو المتربص بهم والمترقب لخصوماتهم، ولم تمض فترة قصيرة حتى عاد الصفاء بينهما واستمر صلاح الدين تحت الولاء الاسمي لنورالدين الى ان توفي عام 569 هجري 1173 ميلادي . من استعراض هذه الاعمال التي انجزها صلاح الدين في مصر وهذه المؤامرات التي تغلب عليها تظهر شخصيته وحنكته السياسية وحزمه وحسن تدبيره للامور . ففي هذا العهد زالت كل عقبة كانت تقوم في وجهه بل اصبح في فترة قصيرة سيدا للمشرق المسلم بلا منازع والقائد المؤهل لمعارك التحرير . توفي نورالدين وترك ملكه الى ولده الملك الصالح اسماعيل ولم يكن يبلغ من العمر حينذاك الا الحادية عشرة فتولى وصايته وتدبير ملكه شمس الدين ابن المقدم فاخذ الامراء النوريون يتنافسون وكل منهم يعمل على اضعاف الاخر والكيد له والايقاع به والملك الصغير لا يدري من الامر شيئا . بل كان العوبة في يد اولئك الامراء الذين كانوا يتصارعون للوصول الى الحكم وتحقيق مآربهم الشخصية . نهض سيف الدين ابن عم الملك الصالح وصاحب الموصل واستولى على ما كان لنورالدين من البلاد في ارض الجزيرة وركن الامراء الاخرون الى الاستقلال بما في ايديهم من الولايات ولجأ البعض الآخر الى مهادنة الفرنج ليتقووا بهم ضد الامراء الاخرين وهكذا وصلت البلاد الى حالة يرثى لها من التفرق والصراع على الحكم . وكان صلاح الدين على علم بما يجري في بلاد الشام من فوضى وصراع وقلاقل وكان يراقب الاحداث مراقبة دقيقة وينتظر الفرصة الملائمة للتدخل، وكان من سياسته ان لا يثير غضب اهل الشام عليه في تدخل غير ملائم خشية ان يقفوا ضده ويعرقلوا اعماله ولهذا كان على الدوام يكتب الى الملك الصالح فيظهر له ولاءه وضرب النقود باسمه وخطب له على المنبر . يتبع