شهدت مدينة تونس منذ الثلاثينات من القرن العشرين ظهور عدد من المجالس الأدبية في بعض المقاهي بالأحياء الشعبية مثل مجلس الشيخ محمد العربي الكبادي بمقهى «البانكة العريانة» بحي باب منارة وكانت تحضره نخبة من الأدباء على غرار البشير الفورتي والهادي العبيدي ومحمد المرزوقي ومقهى «تحت السورى بباب سويقة الذي كان أشهر المقاهي في هذا المجال وقد عرف أيضا باسم مقهى «سيدان» او «مقهى خالي علي» وهو يقع في الزاوية المحصورة بين بداية نهج حمام الرميمي وبداية نهج علي البلهوان الحالي، فقد اكتسب هذا المقهى شهرة واسعة فيما بين 1929 و1943 لأنه كانت تؤمه مجموعة من الأدباء والصحفيين والرسّامين والفنانين من علي الدوعاجي وعبد الرزاق كرباكة والهادي العبيدي ومصطفى خريّف ومحمد العريبي ومحمود بيرم التونسي وعبد العزيز العروي وعلي الجندوبي ومحمد بن فضيلة وكانت مجموعة «تحت السور» على صلة بنخبة من الموسيقيين والمطربين والمطربات أمثال الهادي الجويني والصادق ثريا وصالح الخميسي وحسيبة رشدي وفتحية خيري وسيد شطا الذي اختار الاستقرار النهائي بتونس منذ 1929 ومع الفنانة فتحية خيري كانت له عديد المحطات الموسيقية الخالدة ففتحية خيري التي استقرت بالعاصمة قادمة من الدهماني مسقط رأسها، كان أول المشجعين لها زوج أختها سلومة... قبل ان تلتقي سيد شطا لتكتب معه صفحات مضيئة في المدوّنة الموسيقية التونسية على امتداد ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي بدرجة أولى. صفحات تمثلت في عطاء غنائي متنوع جمع بين الطرب والقصيد والأناشيد الدينية.. وكان مقهى تحت السور فضاء رحبا لاحتضان وتقديم هذه الابداعات الغنائية ضمن ليالي رمضان... من خلال سهرات بلغت أوجها في رمضان 1933 حيث كانت فتحية خيري نجمة تلك السهرات التي يؤمها بدرجة أولى أهل الثقافة والفن والفكر والأدب في تلك الفترة. وكانت تلك السهرات الفنية تختتم في كل ليلة بمسامرات أدبية يتم خلالها تطارح أحدث الانتاجات الشعرية لاختيار أفضلها للتلحين والغناء... وكان سيد شطا حاضرا بقوة في هذا المشهد المتحمّس للهوية الوطنية التونسية بألحانه الخاصة لفتحية خيري... ومعها كان نجم سهرات رمضان في هذا المقهى الشهير الشاهد على حقبة تاريخية ثقافية فكرية استثنائية في تاريخ تونس. محسن بن أحمد