أخذ بوقديدة من كلّ شيء بطرف. فقد عرف المجد مع النجم والمنتخب وخاض المونديال وخَبر أيضا عالم الإحتراف في صفوف الألمان. وهذه التجربة الثرية فتحت له أبواب التدريب وكذلك التحليل الذي يُمارسه ضيف «الشروق» بالكثير من الإجتهاد والصّدق وبمنأى عن الحسابات الضيّقة والخطابات المتشنّجة. منير بوقديدة يقرأ واقع المنتخب والنّجم والكرة التونسية عُموما في الحوار التالي: الاستهلال لن يكون إلاّ بالكلام عن المنتخب الذي دافعت عن ألوانه في المنافسات الإفريقية والعالمية. فكيف تُتابع تحضيراته للنهائيات المُونديالية؟ لا جدال في أن سلسلة الوديات الأخيرة ستعود بالنفع على «النسور» قياسا بنوعية الخصوم وهم إيران وكُوستاريكا والبرتغال وتركيا (في انتظار إسبانيا يوم 9 جوان). وهذه الفرق صاحبة باع وذراع في كرة القدم ولاشك في أن هذه الإختبارات تُمثّل أفضل «بروفة» قبل مُقارعة «العَمالقة» أمثال إنقلترا وبلجيكا وهما الخَصمان الأقوى لتونس في النهائيات المُونديالية. اللقاءات الأخيرة كانت مناسبة لنطّلع على الملامح العامّة للخيارات البشرية والتوجّهات الفنية لمنتخبنا خاصّة أنه لم تعد تفصلنا سوى فترة وجيزة عن رحلة روسيا ومن المفروض أن نحسم الخُطط التي سنلعب بها والأسماء التي ستحمل آمال الشعب التونسي في هذه التظاهرة الكَونية. فريقنا الوطني حقّق نتائج إيجابية وقدّم أداءً مُحترما في الوديات وأظهر قدرات لا يُستهان بها على صعيد التحكم في الكرة والنجاعة أمام شباك الخصوم (أربعة أهداف أمام البرتغال وتركيا). هذا ويجلس فريقنا في المركز الرابع عشر في سلّم «الفيفا» وقد يتقدّم خطوات أخرى في التصنيف الشهري ما يشكّل حافزا مَعنويا مُهمّا لأبنائنا قبل السفر إلى روسيا ولو أن هذا الترتيب لا وزن له ما لم يَقترن بأداء قوي ومردود بطولي في الرسميات وهي «أصدق» من الوديات. وأنت تنظر إلى المنتخب بعين «الكوارجي» والمُحلّل الفني ما هي أبرز الثغرات والهَنّات التي وجب تداركها قبل الجديات؟ غَيريتنا على الأزياء الوطنية ومبدأ الموضوعية في تحاليلنا الفنية يفرض علينا وجوبا التنويه بالنقاط الإيجابية وهي كثيرة مع التنبيه إلى الأشياء السلبية وهي أيضا عديدة. لقد ترك المنتخب إنطباعات جيّدة في صفوف المحبين والملاحظين بعد المردودية الكبيرة في جلّ الوديات التي خاضها كما أظهر عدة «كوارجية» إستعدادات طيّبة كما هو شأن الخزري (أمام إيران وكُوستاريكا) أوكذلك حسّان والبدري والوافد من «مونبليي» إلياس السخيري الذي أحسب أنه أصبح من الدعائم الأساسية في التشكيلة التونسية. وتوجد خلف هذه «الصورة الوردية» جملة من النقاط الإستفهامية في مُقدّمتها تغييب هدافنا في الدوري البلجيكي حمدي الحرباوي في الوقت الذي خسرت فيه التشكيلة مهاجمها الأول ياسين الخنيسي ما كان يستوجب من حيث المنطق دعوة الحرباوي لسدّ هذا الشغور. والأغرب من «مَظلمة» الحرباوي أن القائمة المونديالية التي تمّ ضَبطها بعد رحلتي البرتغال وسويسرا خَلت من العكايشي وهي ضربة أخرى مُوجعة لهجومنا. المدرب إختار إستراتيجية مُغايرة بعد أن عزّز صفوف «النسور» بخليفة مع التأكيد على قدرة الخزري على قيادة الهجوم مثله مثل بن يوسف. وهذا الرأي نَحترمه ونُقدّره لكن ذلك لا يمعنا من وضعه في «مخبر النقد» والتأكيد أن «ماكينتنا» الهجومية في حاجة إلى مهاجم صريح مثل الحرباوي أوعلى الأقل الإحتفاظ بالعكايشي. ونبقى مع موضوع الخيارات البشرية لنشير إلى أن الإطار الفني كان بوسعه دعوة مدافعنا في مرسيليا أيمن عبد النور للإستفادة من خبرته الواسعة ومعرفته بأجواء «النسور» والحقيقة أن تجاهل عبد النور بحجّة الجاهزية غير مُقنع بدليل أن بعض العناصر الدفاعية المتواجدة في القائمة الحالية لم تَلعب بإنتظام مع أنديتها (بن علوان نَموذجا). هل من ملاحظات أخرى حول الخيارات؟ أتساءل أيضا عن وضعية برون الذي لم يُقدّم للأمانة الأداء المطلوب في الخانة اليمنى للدفاع كما أنّني كنت أحبّذ أن يمنح الإطار الفني الفرصة لمحترفنا في «نيس» بسام الصرارفي ليعلب وقتا أطول بدل الإكتفاء بتشريكه لدقائق معدودة. وقد كنت دافعت عن حقّ الصرارفي في اللّعب لإيماني بموهبته وقدرته على إفادة المنتخب ولم أخف للأمانة إستغرابي من إقحامه أثناء اللعب وقد كان بالإمكان أن يحظى بفرصة أكبر لو تمّ مثلا سحب الخاوي من التشكيلة خاصة أن مردوديته لم ترتق إلى مستوى التطلّعات رغم تمسك المدرب بتشريكه. وأؤكد أن موقفي بخصوص الصرارفي أزعج البعض ومع ذلك فأنا متشبّث بهذا الرأي. وما هي الخطّة الأمثل في المونديال الذي سنصطدم فيه بإنقلترا وبلجيكا و»بَنما»؟ شخصيا أحبّذ الإعتماد على ثلاثة مدافعين محوريين: أي مرياح وبن يوسف مع تَعزيزهما بعنصر آخر على غرار البدوي أوبن علوان. وأنا على قناعة تامّة بأن تأمين الدفاع الذي لاح عليه الضّعف مع إستثمار الطاقات الكبيرة لمعلول والنقاز من الجهتين اليسرى واليمنى قد يكون الخيار الأحسن لمجابهة منافسين أقوياء مثل إنقلترا وبلجيكا. لقد تابعت الإنقليز عن كثب ولاحظت أن مَهمّتنا ستكون عَسيرة خاصّة أن هذا الخَصم يضغط بقوة على حامل الكرة ولا يفسح المجال لمنافسيه لبناء عملياتهم الهجومية. عانقت المجد مع المنتخب بفضل «مريول» النجم. فكيف تحكم على الوضع العام في «ليتوال»؟ لقد تَضرّرت الجمعية كثيرا من الهزيمة الثقيلة أمام الأهلي ولم يكن من الهيّن ترميم المعنويات وترتيب الأوراق لأن الصّدمة كانت شديدة وضربت إستقرار النادي في الصّميم. وقد حاول الفريق التدارك من بوّابة المسابقتين المحليتين غير أن الحصيلة لم تَرتق إلى المستوى المنشود لعدّة أسباب قد نَختزلها في الهفوات الفنية والأخطاء التسييرية علاوة طبعا على الأضرار الجسيمة من الصّافرة التحكيمية. أين تكمن مسؤولية المدرب الجزائري خير الدين مضوي في هذا الإخفاق؟ مضوي متحصّل على رابطة الأبطال مع سطيف وهو وأيضا مدرّب طموح وإنسان رائع على المستويين الإتصالي والسلوكي لكنّه لم يُقدّم للأسف الإضافات المطلوبة على الصعيد الرياضي ولم يفرض الإنضباط المعروف عن خريجي المدرسة الجزائرية (وربّما تكون العقليات قد تغيّرت بتعاقب الأجيال). وقد قام الرجل بعدة خيارات فنية غريبة كتلك التي حصلت في «فينال» الكأس. وأيّ ذنب لإدارة شرف الدين في تراجع نتائج الجمعية؟ هيئة شرف الدين تعمل بتفان وإخلاص وأظن أن الرجل مازال قادرا على تقديم المزيد من التضحيات وحصد التتويجات كما حصل بالأمس القريب ولا أوافق أبدا الرأي القائل بأن السياسة شَغلته عن مَهامه الكبيرة في النّجم. الهيئة المديرة أخطأت الإختيار بالتعاقد مع مضوي ومن المفروض الإستفادة من هذا الدرس للحصول على البديل الأمثل وهو أمر يتطلّب الدقة العالية مع السرعة خاصّة في ظل الجدل الدائر بشأن المدرب المنتظر للفريق الذي تنتظره رهانات كثيرة ومن مصلحته كسب مَعركة الوقت. وقد كنت أحبّذ شخصيا تجديد التجربة مع البنزرتي بوصفه المدرب الأنسب للنجم غير أن المفاوضات معه توقّفت في اللّحظات الأخيرة نتيجة إلتزاماته مع الوداد. وبالتوازي مع ملف المدرب الجديد من الضروري أن تبادر الهيئة بتنقية الأجواء وإبعاد الدخلاء وإحاطة نفسها بأهل الذكر: أي بالأشخاص الذين يَفقهون جيّدا في الكرة. من خلال تجاربك الميدانية ومعارفك الفنية هل تعتقد أن سفيري الكرة التونسية في رابطة الأبطال وهما النجم والترجي سيذهبان بعيدا في السباق القاري؟ لقد تعوّدت في موقعي كمحلّل فني على الإصداع بكلمة الحق حتى وإن كانت مُوجعة ومن هذا المنطلق أؤكد أن الفريقين غير جاهزين لكسب التحدي وينتظرهما عمل كبير لتحسين مردوديتهما وتأكيد منافستهما بجدية على التاج القاري ولاشك في أن أحباء ومسؤولي الجمعيتين على يقين بحجم النقائص الموجودة وعلى وعي تامّ بحاجتهما إلى إصلاحات عميقة. ألا تعتقد أن سفراء الخضراء في المسابقات القارية دفعوا أيضا ثمن بطولتهم الضّعيفة؟ مُسابقتنا المحلية هزيلة من الناحية الفنية والأخطر من ذلك أنها تشهد تجاوزات تحكيمية خطيرة وتزداد الصورة قتامة في ظل التصرفات المتهوّرة للمسؤولين الذين يُثيرون الفوضى في الميادين وأذكر شخصيا أنّني إحترفت في ألمانيا ونادرا ما نَلتقي رئيس الجمعية الذي كان بالنسبة إلينا «شخصا مجهولا» ولا يتدخّل إلاّ في الضّرورات. هذا الإنفلات يهدّد للأمانة مستقبل كُرتنا التي تحتاج إلى تدخلات عاجلة.