تونس «الشروق»: من مشاورات مسار حكومة الوحدة الوطنية مرورا بالأزمات السياسية المتعددة وصولا الى جدل تغيير الحكومة الأخير ظل مجلس نواب الشعب محدود القدرة على الفعل السياسي والتأثير على الرغم من أنه السلطة الأصلية. وكشف التظلم الأخير لعدد من نواب البرلمان وتخوفهم من أن تسحب مشاورات قرطاج الموازية البساط من تحت أقدامهم بخصوص سلطتهم الدستورية المتعلقة بمنح الثقة الى الحكومة أو سحبها عن أن مجلس نواب الشعب ما زال بعيدا عن الفعل السياسي في البلاد بحكم جملة من الأسباب تجعله على الدوام ملازما للصمت حيال ما يجري في البلاد. خلل جوهري ومن بين الأسباب المباشرة في ضعف أداء البرلمان وانحصار دوره في التشريع لا غير كما لو أنه مجرد ذراع تشريعي بيد الحكومة ما يعدده عدد من أساتذة القانون الدستوري ومن بينهم أمين محفوظ والذي يرى أن القانون الانتخابي القائم على التمثيل النسبي لا يفرز سوى فسيفساء غير متجانسة مانعة لتكوين أي أغلبية. بحيث تضيع معها قدرة الفعل السياسي منوها الى أن حط عدد النواب الى 100 تقريبا مع تمكينهم من كل الامتيازات الضرورية واللوجستية هو أحد الحلول المقترحة للترفيع في أدائهم. ويوعز أنصار هذا الرأي ضعف الدور السياسي للبرلمان الى طبيعة النخب المتألف منها. حيث يتم الاستناد هنا الى مدى قدرة الكتل البرلمانية على ممارسة السلطة التي منحها إياها النظام الداخلي. وهي اقتراح القوانين المنظمة والمسيرة وهذا الأمر لا يجري بالنسق المطلوب لبيان أن المشكل الكبير الذي يعاني منه البرلمان هو ضعف تكوين نوابه زد عليه ما ينسب لعدد منهم يوميا من شبهات فساد. مرآة الأحزاب من جهة ثانية فإن تحول البرلمان مضمونيا من مجلس نواب الشعب الى مجلس نواب "الأحزاب" مثل عائقا أمام التقدم. حيث ترحل إليه كل الأزمات الحزبية والسياسية ليجد نفسه في النهاية محكوما بتوافقات قد تأتي وقد لا تأتي. وحدث ذلك في محطات عديدة من بينها تنقيح القانون الانتخابي في علاقة بمشاركة الأمنيين والعسكريين في الانتخابات وقانون المصالحة ومحاولات تركيز المحكمة الدستورية. وفي هذا السياق يرى النائب المؤسس رابح الخرايفي أن صمت البرلمان في رأيه يفسر بعدم قدرة الكتل النيابية الكبرى على فهم العمل السياسي في المؤسسات واستخدام الآلية الدستورية ومنها سحب الثقة من الحكومة لاسيما أن هذه الآلية في النهاية محكومة بتوافق الأحزاب الكبرى أولا على اسم رئيس حكومة بديل يعرض في اللائحة. حيث أن عجزه في رأيه أمام الأزمة السياسية للبلاد لا يعبر سوى عن إقرار بأن البرلمان بتقديمه أولويات الأحزاب خسر قدرة الفعل. تبعية كما يرى مراقبون أن أداء البرلمان غاب عنه لعب الدور السياسي من أهم القضايا الوطنية منوهين الى أن الاستقلالية الإدارية والمالية للسلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية لم تفعل أساسا. وحدث ذلك في رأيهم بسبب تغافل مجلس نواب الشعب عن امتداد دوراته البرلمانية على ترتيب البيت الداخلي والأولويات الملحة كتعديل النظام الأساسي للمجلس بشكل جذري والمصادقة على مشروع قانون تنظيم عمل اللجان البرلمانية ولجان التحقيق. وفشل البرلمان في المبادرة السياسية يعني أيضا هيمنة السلطة التنفيذية برأسيها حكومة ورئاسة على الفعل السياسي خلافا لطبيعة النظام البرلماني المعدل الذي نعيشه والذي يهدف نظريا الى خلق التوازن بين السلطة التشريعية والتنفيذية والاستفادة من التأثير المتبادل من خلال المراقبة المتبادلة والدور الرقابي الهادف الى التقييم الموضوعي لمكامن الفشل والنجاح. وهو ما غاب فعليا عن كل المنعطفات السياسية. وفي المحصلة فإن البحث في أسباب عجز البرلمان عن الفعل السياسي يبدو مبحثا في عمق المسألة السياسية لاسيما أن المطروح على البرلمان سواء في ماتبقى من عمر دورته الأخيرة أو ماهو مؤجل الى المجلس القادم مسائل سياسية على غاية من الأهمية منها تعديل القانون الانتخابي والنظام السياسي في البلاد.