طرحت مؤخرا مسألة التفكير في جدوى ومشروعية تعديل الدستور الجديد فيما يخصّ مسألة النظام السياسي جدلا واسعا في الساحة السياسية وفي الفضاء العام بالنظر لحساسية الموضوع و لأهميته في نفس الوقت. وقد تعدّدت الآراء والمقاربات لاسيما بعد أن أعرب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي عن عدم رفضه لأيّ مبادرة لتعديل النظام السياسي الحالي الذي يرى البعض فيه عائقا رئيسيا أمام كلّ من يحكم البلاد والذي عادة يكون مطالبا بتطبيق برنامجه والتسريع في اجراء اصلاحات تهمّ المواطن والدولة مباشرة. في هذا السياق، طرحت حقائق أون لاين الموضوع على أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ الذي يعدّ من أبرز الكفاءات التونسية في هذا المجال، وقد أكّد في البداية على أنّ موقفه ليس وليد اللحظة بل هو أعلن عنه بصراحة قبل أن يدخل دستور 27 جانفي 2014 حيّز التنفيذ. وقال محفوظ إنّ دعوته لاعادة النظر في النظام السياسي الحالي الذي وصفه بالمعطّل و المشوّه منطلقاتها مبدئية رغم أنّ بعض الأطراف تستغل ذلك لأجندات سياسية، مشدّدا على ضرورة التحلي بالحكمة والعقلانية بعيدا عن المزايدات وذلك من خلال إحداث لجنة تضم مختصين تنظر في مسألة تعديل الدستور خاصة في مجال العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وداخل السلطة التنفيذية. وبيّن أنّ التسريع في ذلك يعدّ أمرا هاما ربحا للزمن الذي بدا من الواضح أنّ السياسيين في تونس بشكل عام لا يحسنون التعامل معه في انتظار إحداث المحكمة الدستورية التي هي حاليا غير موجودة. وقال محفوظ إنّ هذه اللجنة يجب أن تنظر في نقاط الضعف التي تضمنها الدستور لاسيما فيما يتعلق بالفصول التي تهم السلطتين التشريعية والتنفيذية والعلاقة بينهما، ثمّ لتقديم مبادرة قد تتبناها رئاسة الجمهورية أو ثلث النواب. واستشهد أستاذ القانون الدستوري من منظور مقارناتي بما حصل في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي دخل دستورها في 1787 حيّز التنفيذ وفي 1789 تمّت المصادقة على تعديل بعض الفصول قبل أن يدخل التحوير مجددا حيّز التنفيذ في 1791. وأوضح الدكتور أمين محفوظ أنّ دستور تونس الذي تمت المصادقة عليه يوم 27 جانفي 2014 يقبل التعديل الذي هو في حدّ ذاته اجراء دستوري إذا ما ابتعدنا عن الاجندات والمزايدات السياسية، مؤكدا ضرورة أن يكون لتونس نظاما سياسيا ديمقراطيا ودستوريا ولكن أيضا يجب أن يكون مستقرا. وأضاف أنّ الدستور الحالي لا يمكن أن يفرز سوى استقرار الازمات بالنظر إلى نظامه السياسي، مبينا أنّ الشرط الوحيد لتعديل الدستور هو ضرورة تواجد المحكمة الدستورية حيث لا يوجد أيّ مانع آخر. وتابع محدثنا تحليله بالقول إنّ المشاكل التي عشناها في ظلّ "الدستور الصغير" الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي إبان حكم الترويكا أعيد انتاجها في دستور 27 جانفي 2014. وعزى رفض بعض القوى السياسية لمسألة التفكير بجدية في امكانية تعديل الدستور من أجل اخراج البلاد من المأزق الحالي إلى خوفها من ألا يسمح لها ذلك مستقبلا بالتواجد انتخابيا وديمقراطيا في المشهد السياسي. محفوظ قال عن النظام السياسي الحالي إنه يمكن تلخيصه كالآتي: "أنا لا أحكم.. أنت لا تحكم.. ولا نترك من يحكم"، واصفا إياه بالمعطّل فضلا عن كون التجربة إلى حدّ الآن ولدت عدم الاستقرار والانفلات، مؤكدا أنّ الديمقراطية لا يمكن أن تنجح في ظلّ الفوضى وعدم التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وقال محدثنا إنه في النظام البرلماني من الأفضل ألا تتم عملية تقسيم السلطة التنفيذية، متسائلا كيف يتم اعطاء رئيس الحكومة ضبط السياسيات العامة للدولة ثمّ يتمّ الحديث عن كون أنّ الخارجية والأمن القومي من صلاحيات رئيس الجمهورية. وأبرز استاذ القانون الدستوري أنّه من الأجدى أن يكون رئيس الحكومة مسؤولا أمام البرلمان ورئيس الجمهوية لايجاد نوع من الانسجام، واصفا النظام الحالي بالصورة المشوّهة للنظام البرلماني، مستغربا كيف أنّ السلطة التنفيذية ليس لها الحق في حلّ البرلمان كما هو معمول به في الأنظمة البرلمانية العريقة. ويشار إلى أنّ النظام السياسي الحالي في تونس الذي يوصف بأنّه برلماني معدّل يشترط حلّ البرلمان إلاّ في حال كان هناك عجز عن تشكيل حكومة تحظى بثقة الأغلبية. وقال محفوظ إنّه من المفترض أنّ من يحكم البلاد وهو منتخب من الشعب يجب أن تمنح له آليات للحكم من أجل تنفيذ برنامج تحت المراقبة الدستورية والبرلمانية والقضائية. واعتبر أنّ القانون الانتخابي هو بدوره عقّد الوضعية فطريقة التمثيل النسبي مع اعتماد أكبر البقايا زادت الطين بلّة، مستغربا كيف أنّ أحزابا في الحكم اليوم تنتقد الحكومة التي تضمّ وزراء منها وهي من المفروض أن تطبق برنامجها. واستحضر أمين محفوظ مثال مشروع المحكمة الدستورية الذي أثار جدلا عقيما وانتهى بخرق الآجال الدستورية، معربا عن استغرابه من النظام السياسي الحالي الذي يقول إنّ رئيس الجمهورية يكلف الحزب الفائز بتشكيل الحكومة في حين أنّه في النظام البرلماني تسند هذه المهمة للطرف الأغلبي الذي يمكن أن يحلّ في المركز الثاني لكنه يقوم بتحالفات داخل البرلمان تجعله في الصدارة. وقد شدّد محدثنا على أنّ هناك في الدستور الحالي إكراهات دستورية كان حريا بنا عدم الدخول فيها، واصفا ذلك بالبدعة غير المعمول بها في النظام البرلماني وهي تصرفات شاذة، وفق تعبيره.