العلاّمة ابراهيم الرياحي شخصية متعددة.. وهو وان كان شخصا فردا فهو في صيغة الجمع لجمعه العديد من الاختصاصات التي تجعل منه علاّمة كما تصفه الأوساط العلمية والشرعية. ولئن كان المؤرخون وكتّاب السير أطنبوا في ذكر خصال وصفات وشمائل الرجل الا ان الجانب الصوفي يبدو طاغيا في مسيرته. ولا غرو فهو ناشر الطريقة التيجانية في الربوع التونسية وخارجها وزاويته بنهج سيدي ابراهيم الرياحي (قرب نهج الباشا) ماتزال تعجّ بالمريدين الذين يقصدون المقام للترحم على روحه والاستلهام من سيرته والذين يداومون على حلقات الذكر مساء يومي الاربعاء والجمعة. لكن يبقى مع ذلك جانب آخر مضيء في حياة الرجل وفي موروثه لم يحظ بالعناية اللازمة ولم تسلّط عليه الاضواء بالشكل الكافي مع ان سيدي ابراهيم الرياحي يعد من الرواد فيه. هذا الجانب يخص الجانب الاصلاحي وحتى التأسيسي للاصلاح في شخصية سيدي ابراهيم . وسوف نتوقف عند بعض هذه الجوانب لتسليط بعض الاضاءات التاريخية عليها لنستشف من خلالها حجم الرسالة الكونية التي أسس لها الشيخ والتي كرسته من رواد الحركة الاصلاحية في البلاد التونسية وفي العالم الاسلامي عموما. فالشيخ ابراهيم الرياحي الذي تتلمذ على أيدي ثلة من علماء ومشائخ تونس الكبار من أمثال صالح الكواش ومحمد الفاسي وعمر المحجوب وحسن الشريف واسماعيل التميمي أجاز بدوره أساتذة أجلاء سيصبحون من رواد الحركة الاصلاحية في تونس من امثال الشيخ ابن ابي الضياف. سيدي ابراهيم اجتهد في الدفاع عن مسألة تحرير العبيد وإنهاء الرق في البلاد التونسية وهو اجتهاد سوف يتبلور سريعا مع الوزير الاكبر خير الدين التونسي والذي مهّد مؤلفه «أقوم المسالك» للنهضة التي عرفتها تونس في تلك الحقبة والتي يعدّ سيدي ابراهيم أباها الروحي. اجتهاد الشيخ وتجديده لم يتجه الى شؤون الحكم والمعاملات والأمور الدنيوية فحسب بل تعدى ذلك الى مسائل أشمل على علاقة بالرسالة المحمدية وبمكانة الرسول صلى الله عليه وسلّم حيث يذكر المؤرخون ان سيدي ابراهيم هو أول من سنّ إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف وذلك بسرد قصة كتبها لمولد رسولنا الأكرم عليه أفضل الصلاة وازكى السلام.