رَجع المنتخب خلال الساعات الأخيرة من الأراضي الروسية وهو يجرّ أذيال الخيبة بعد أن خَذل الجمهور وأخفق من جديد في إقتلاع بطاقة التأهل إلى الدّور الثاني. ولاشك في أن «الكَابوس» الذي عاشته الجماهير التونسية في المواجهة البلجيكية يبقى الذكرى الأهمّ والأتعس خاصّة إذا عرفنا أن تونس سقطت بالخمسة للمرّة الأولى في تاريخ مُشاركاتها العالمية. ولم يَسبق لفريقنا الوطني أن تلقى صَفعة مُدوية كهذه على إمتداد مُغامراته المُونديالية السابقة (بين 1978 و2006). ولا جدال في أن الآثار السلبية لهذه الفضيحة الكروية لن تُمحى من الذاكرة الشعبية على مرّ العصور والدّهور. وكيف يَنسى الشّعب «السّبت الأسود» الذي ضَربت فيه «النّجوم» البلجيكية شباكنا بخمسة مدافع سُمع دَوّيها من «موسكو» الروسية إلى الأراضي التونسية؟ الكِذبة الكبرى لا إختلاف في أن المهزلة التي عاشتها الأقدام التونسية في الكأس العالمية كان بطلها الأوّل ومُهندسها الأبرز نبيل معلول الذي أوهم البعض عشية المونديال بأنه داهية كبير بل أن «ماكينته» الإعلامية نفخت في صورته وسمحت لنفسها بمقارنته بأساطير اللّعبة مثل الإسباني «ديل بوسكي». ولم يتوقّف الأمر عند تَضخيم الرّجل وتصويره في ثوب البطل وإنّما «إحتال» «سي» معلول على الجمهور التونسي من شمال البلاد إلى جنوبها وقال بالحرف الواحد إن الفريق في نسخته الحالية ذاهب إلى أرض الرّوس لقهر الرؤوس الكبيرة مثل أنقلترا وبلجيكا وبلوغ الدّور ربع النهائي. ويبدو أنّ المواجهات الودية والتصنيفات الدولية والإشادات الإعلامية أعمته عن مواطن الضّعف وأنسته حَجمه الحقيقي كمدرب محدود الإمكانات صَنعته الأبواق الدعائية التي ساهمت في عَودته إلى المنتخب رغم فضيحة الرأس الأخضر. ومع إنطلاق الرسميات تبيّن الشّعب أن حزمة الوعود التي أطلقها معلول هي مجرّد «خدعة». بركاتك يا سيدي الشيخ بالتوازي مع «الحَماقات» الفنية التي إرتكبها والفَوضى التكتيكية التي أتحفنا بها إرتدى نبيل معلول ثوب الوَرع والتّقوى فقد كان أوّل مُغامرتنا المونديالية دعاءً وأوسطها بكاءً وآخرها «صلاة إستخارة» قال «شيخنا الجليل» بأنه سيعلن على إثرها عن «مصيره» مع «النسور» بعد البلاء العظيم الذي حلّ بتونس تميم والعقربي وطارق وغميض لتأكل «طريحة» كتلك تعرّضنا لها يد «الشياطين» البلجيكية التي لم يقدر «سيدي الشيخ» على «تَقييدها» رَغم كراماته الشّهيرة وخُزعبلاته العَديدة. والحقيقة أن «الصّورة الملائكية» التي أراد معلول أن يرسمها لنفسه لا تَنطلي إلاّ على الأغبى ونحسب أن الشعب أذكى بكثير من تصديق هذه «المَسرحيات الهزلية» من مدرب معروف ب»حروبه» الكلامية وتصرّفاته الإستفزازية (كتلك التي حصلت في بنزرت) ومدرب صورته مهزوزة في الداخل والخارج بدليل الإحراج الكبير الذي تعرض له في مطار «نيس» الفرنسية... وما خَفي كان أعظم. حصيلة هزيلة إنهزم المنتخب أمام أنقلترا وسقط ضدّ بلجيكا بالخمسة قبل أن يحفظ ماء الوجه بفوز صعب على «بَنما» وهذه الحصيلة هزيلة ولا ترتقي أبدا إلى مستوى الإنتظارات وذلك على عكس ما يُروّجه المدرب الذي قال إن «العام صَابة» بدل أن يستقيل بعد أن خَذل الجمهور وأبكى الناس وجعلنا محلّ تندّر وسخرية في الصّحافة العالمية (فرنسا نموذجا). نَصب وإحتيال شكّل الجمهور التونسي النقطة المضيئة وربّما اليتيمة في مُغامرتنا المُونديالية الأخيرة. فقد توافد أبناء الوطن الغالي على الملاعب الروسية من كافة أنحاء العالم وساندوا المنتخب في مواجهاته الثلاث بغير حساب. والأجمل أن الجماهير التونسية إستثمرت الرحلة الروسية للترويج لمنتجاتنا التقليدية مثل الشاشية التي زَيّنت المدرجات والساحات العمومية في بلد «بُوتين». وتستحق الجماهير التونسية فعلا جائزة اللاعب الأفضل في المنتخب بالنّظر إلى تَضحياتها الجسيمة ومُعاناتها الشديدة حتّى أن بعض الأحباء قطعوا أكثر من أربعة آلاف كيلومتر نُصرة للفريق. والتحية الأكبر لهؤلاء الرّجال والنساء والأطفال الذين تعرّضوا إلى الجوع والعطش والذين كان يتهدّدهم شبح «التشرّد» في روسيا بفعل «تحيّل» وكالات الأسفار وفي رواية أخرى مؤسسات الخدمات. وهذه المهزلة التنظيمية تستوجب تحقيقات فورية وجدية لتحديد المسؤوليات.