إذا كان ما يزال للثورة وجه بعد مُضيّ ما يزيد عن السبع سنوات فإنه، بلا منازع، وجه سعاد عبد الرحيم، "شيخة "مدينة تونس الجديدة. انتخابها أمس على رأس بلدية الحاضرة ثورة في حدّ ذاتها. لأنها امرأة. ولأنها نهضوية. ولأنها ليست سليلة احدى العائلات «البلدية» المشهورة. إذا جمعتَ كل هذه الموصافات وجدتَ في المحصّلة معاني الديمقراطية التي تمثل الضمان الأنجع لتجدد المجتمع وتجديد حيويته. أليست الديمقراطية ينبوع شباب (Bain de jouvence) المجتمع؟ الديمقراطية جاءت بامرأة حيث لم يستطع بورقيبة «محرّر المرأة» ولا بن علي غير تكرير تعيين أحد «أشراف» المدينة ليكون في النهاية، ورغم اسمه المرموق عادة، مجرّد تابع للإدارة المركزية. من هذا المنطلق يكون انتخاب سعاد عبد الرحيم انتصارا للخيار الديمقراطي رغم تعثّره الواضح اليوم وتسببه في خيبة أمل اجتماعية كبرى. وانتصار سعاد عبد الرحيم هو أولا انتصار حركة النهضة التي راهنت على امرأة، متميّزة بذلك على أكثر الأحزاب ادعاء بالتقدمية، وأولها نداء تونس الذي لم يخرج عن النمط المعهود، بل إن ناطقه الرسمي استنكر أن تتولى امرأة مشيخة مدينة تونس. وما من شكّ في أن هذا الانتصار النهضوي هو مصدر قلق وخوف الكثيرين الذين يرون في انتخاب سعاد عبد الرحيم على رأس بلدية الحاضرة «حصان طروادة» ستستعمله النهضة لإنهاء آخر الطابوهات الموروثة عن النظام القديم. فنحن إذن إزاء تكتيك نهضوي ظاهره منفعة وباطنه يحمل ضررا كبيرا. وهكذا نجد أنفسنا في النهاية نعيد السؤال التقليدي الذي لم ينفكّ يُطرح منذ المؤتمر العاشر للنهضة والذي أعلن فيه رئيسها عن تحوّل الحركة إلى حزب مدني. وهذا السؤال هو: هل إعلان التحوّل المدني للنهضة اختيار استراتيجي أم مجرد إيهام تكتيكي؟ السؤال في اعتقادي لم يعد مطروحا لأن النهضة اختارت أن «تذوب» في الديمقراطية وبدأت عملية مراجعة فكرية قد يكون فرضها الدرس المصري ولكنها حقيقية. وإذ ترفع النهضة اليوم لواء الديمقراطية (الإسلامية) فلأنها تريد أن تنفصل نهائيا عن مراجعها الأولى وتؤكّد «تتونسها» الذي لم يعد يشكّك فيه إلا قليلون. فخيارها المدني استراتيجي بالتأكيد ولا يمكن لقيادييها أن يجازفوا بما يعتبره البعض مداهنة أو ازدواجية خطاب في زمننا هذا زمن التشابك الإعلامي وتشابك المصالح. لم يعد أي أحد وحده في عالمنا هذا، عالم الانترنات والفايس بوك، والنهضة التي طالما لجأت إلى السلاح الالكتروني أدرى بهذه الحقيقة، لذلك لا نخالها إلا مدركة أن انتخاب نهضوية على رأس بلدية الحاضرة يعتبر تحديا كبيرا يتحتّم عليها ربحه حتى تواصل هي تحوّلها المدني ويواصل تراجع شكّ المشكّكين في صدق هذا التوجّه.