إذا أردنا أن نبحث في الفوائد النفسية للصيام فلا بد لنا من بحث موضوع الإشباع الفوري، وتأجيل الإشباع للحاجات والرغبات عند الإنسان. فالصيام امتناع عن إشباع بعض رغبات النفس، وبعض حاجات البدن، وذلك من الفجر الى غروب الشمس. ففي الصيام امتناع عن الأكل إذا جعنا، وعن الشرب إذا عطشنا، وعن الاستجابة الفورية لبعض شهواتنا، وفي هذا الامتناع تدريب للنفس على ما سماه علماء النفس «تأجيل الإشباع» والقدرة على تأجيل إشباع الرغبات تميز ما بين الطفل الصغير والبالغ الراشد، وتميز ما بين ناضج الشخصية وقليل النضج فيها. فالطفل إذا رغب في شيء ألحّ عليه لتعطيه إياه، وتراه قد استحوذ عليه التفكير في هذا الشيء الذي رغب فيه، ولم يبق لديه صبر على الحرمان منه، وكثيرا ما يبكي الطفل إن لم يحصل على ما رغب فيه على الفور، ومع التقدم في العمر ينضج هذا الطفل من الناحية النفسية، ويصبح أكثر صبرا على عدم حصوله على ما يُلبّي رغباته حصولا فوريا، لكن ذلك يتفاوت من طفل الى آخر، وكذلك الكبار يتفاوتون في صبرهم على عدم إشباع رغباتهم إشباعا فوريا لا تأجيل فيه، فحتى بعد بلوغ الانسان رشده يبقى هناك مكان لمزيد من النضج في الشخصية، ولاكتساب المزيد من القدرة على «تأجيل الإشباع». إن الصبر على عدم حصول النفس على مشتهاها على الفور جانب هام من جوانب نضج الشخصية الانسانية، ويأتي الصيام في رمضان بمثابة دورة تدريبية سنوية على هذا الصبر، وبمثابة دفعة جديدة نحو المزيد من نضج الشخصية لدى المؤمن، والاستعجال في الحصول على شهوات النفس صفة انسانية تكون على أشدها، عند من لم يهذبه الإيمان، قال تعالى: {ويدعُ الانسان بالشرّ دُعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا}، وقال: {خُلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون}، وقال أيضا: {كلا بل تحبّون العاجلة وتذرون الآخرة}.