أصبحت الأخبار الزائفة السلاح الجديد لتقويض الديمقراطيات وتوجيه الناخبين. وهي أخبار تجد طريقها للرواج بسرعة سهولة مطلقة بفضل التطور التكنولوجي وبفضل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي. خطر داهم كيف يمكن لنا التصدي له ؟ تونس الشروق: هذا السؤال طُرِحَ بقوة على منابر الأوروبيين والأمريكيين أي في أعرق الديمقراطيات خاصة بعد فضيحة «كمبريدج اناليتيكا» البريطانية والمتهمة بالتواطؤ مع موقع "فايسبوك" وذلك باستخدام حوالي 50 مليون حساب شخصي للأمريكيين للتأثير عليهم وتوجيه أصواتهم إبان الانتخابات الأمريكية. وقد نجحت بعض الدول في فرض شروطها على شركات التواصل الاجتماعي لاحترام وحماية ديمقراطيتها من ذلك سن قانون في ألمانيا ينص على عقوبات ماليّة تصل الى 50 مليون أورو على شركات مواقع التواصل الاجتماعي في ما بات يُعْرف بالتصدّي لخطاب الكراهية والأخبار الكاذبة. كما تضمن القانون الماليزي عقوبات بالسجن تصل الى 6 سنوات لمروجي الأخبار الكاذبة. وفي تونس لا يبدو الأمر ذا أهمية تذْكر بالنسبة لنوّاب البرلمان وللسلطات التنفيذية رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تلعب دورا رئيسيا في الحياة السياسية والعامة. ولأننا نعيش أزمة متعددة الأوجه حاليا ونتوجه بها لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة خلال 2019يمكن أن نتساءل عن ضرورة وضع نص قانوني لحماية ديمقراطيتنا الناشئة وعن سبل الوقاية المطلوبة للتصدي لأخبار التضليل والخداع والإشاعات خاصة أن الملايين من التونسيين هجروا الحياة العامة نحو الفايسبوك ويتابعون بلهفة كل ما يرد فيه من منشورات حتى وإن كانت زائفة. انتشار واسع تشير دراسة علمية أنجزها باحثون أمريكيون حول ظاهرة انتشار الأخبار والمحتويات الزائفة عبر التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" الى أن ثلاثة ملايين شخص أعادوا تغريدة قصص إخباريّة غير صحيحة أكثر من أربعة ملايين مرة. وخلص الباحثون في هذه الدراسة -التي تعتبر أكبر دراسة علمية تنجز حول انتشار الأخبار والمحتويات الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي- الى أن المحتويات الزائفة سواء كانت عبارة عن نص أو فيديو أو صورة لديها فرص انتشار بنسبة تتجاوز70 ٪ مقارنة بالمحتويات الحقيقية. وفي تونس تجد الأخبار الزائفة رواجا واسعا وسرعة في الانتشار باعتبار تواجد العدد المكثف للتونسيين في موقع "فايسبوك". وقد سبق للرئيس الباجي قايد السبسي أن كان ضحية لخبر كاذب. حيث تعمد شابان الترويج لخبر وفاته باستخدام شعار قناة فرنسا 24 خلال شهر نوفمبر الماضي. الأمر الذي دفع بمستشار في الرئاسة الى التكذيب السريع ثم الى مقاضاة الشابين. كما راجت في الأيام القليلة الماضية أخبار زائفة حول عضويْ لجنة الحريات الفردية والمساواة بشرى بالحاج حميدة وصلاح الدين الجورشي تخص الختان وزواج المثلية وتخص علاقة اللجنة بالسفارات الأجنبيّة. وهي أخبار زائفة لاقت الرواج السريع والسهل رغم تكذيبها في "فايسبوك" وفي وسائل الإعلام الرسمية. وهذا التضليل يعرّض حياة العضوين للخطر. وهو ما كان قد أعلنه صلاح الدين الجورشي في تدوينة مؤخرا. حيث أعلن عن تضايقه للرأي العام مشيرا الى تلقيه تهديدات إثر صدور التقرير. الباسكواندي تاريخيا تشير الكاتبة اللبنانية ندى حطيط في مقال نشرته في «الشرق الأوسط» الى أن الأخبار الزائفة لها تاريخ طويل يسبق ظهور مواقع التواصل الاجتماعي. فخلال العام 1522 وفي اطار أجواء الانتخابات البابوية طفق الشاعر بييترو أريتانيو يكتب قصاصات فيها سونيتات لاذعة بحق كل المترشحين باستثناء أولئك الذين كان يدعمهم آل مديشي-أولياء نعمته- ويعلقها على نصب تمثال نصفي يعرف ب «الباسكوينو» بالقرب من ساحة نافونا في روما. ومنها اشتق اسم «الباسكوندي» لاحقا ليصف ظاهرة توسعت في الانتشار في تلك الأيام تتركز حول قصاصات مكتوبة باليد تحمل أخبارا شائنة أكثرها كاذب ضد الشخصيات المعروفة. كما تقول الكاتبة إن تقليد «الباسكواندي» تطور في فرنسا خلال القرن السابع عشر الى ما يُعْرف ب»الكانارد». وهي نوع من المنشورات المطبوعة سيطرت على صناعة الأخبار الكاذبة في شوارع باريس قرنين على الأقل وكانت تسرد قصصا ملفقة ضد المشاهير ورسوما لإثارة اهتمام السذج. ويعتقد مؤرخون بحسب الكاتبة أن هذه المنشورات لعبت دورا في التحضير للثورة الفرنسية. كما يعتقد بعض المؤرخين أن تساؤل الملكة ماري أنطوانيت التي تم إعدامها علنا سنة 1793 «لم لا يأكل الشعب الكعك المحلى إن لم يجد الخبز!» قد يكون تلفيقا من إحدى ال»كانرادات» التي رافقت أخبارها الكاذبة الأجواء الفرنسية المحتدة وقتها. كما أسهمت الأخبار الزائفة والمغلوطة التي سهّلت مواقع التواصل الاجتماعي انتشارها وتناقلها في صعود الشعبويين في دول عديدة خلال السنوات الأخيرة وأبرزهم الرئيس الأمريكي دونالد ترومب الذي لم يفتأ خلال حملته الانتخابية في تكرار شعاراته المعادية للأقليات والمناهضة للعولمة ولانفتاح بلده على العالم. ثم انطلق في تطبيق برنامجه السياسي الموغل في الشعبوية والانغلاق ورفض الآخر. فكيف لنا أن نحمي ديمقراطيتنا الناشئة من مجمل هذه التأثيرات؟ ولعل أبرزها تأثير الأخبار الزائفة في الانتخابات المقبلة وربما دعمها لصعود شعبوي على غرار التجربة الأمريكية. القانون كان النائب عن كتلة نداء تونس المنجي الحرباوي قد تقدم سابقا بمقترح تجريم لما يُنشر من ثلب وتشويه في ال"فايسبوك" الا أن محتوى هذا المقترح أثار ضجة واسعة لدى الرأي العام معتبرين أن فيه مسا من حرية التعبير. وقد سارعت كتلة النداء الى تجميد المقترح بل «سحبه بشكل نهائي» وفقا لما أكده الحرباوي ل»الشروق» رافضا الرد على سؤالنا حول ما إن كان قد حان الوقت لتحيين هذا المقترح وإعادة طرحه لمواجهة الانتخابات المقبلة ولمنع أي تداعيات سلبيّة للأزمة السياسية الحالية والتي لا تنتج سوى رواج الأخبار الزائفة والكاذبة في اطار التنافس غير الشريف للأحزاب وللشقوق ايضا ! وفي المقابل اعتبرت النائبة صابرين الڤوبنطيني، الأكثر تضررا من الشائعات خلال السنوات الأخيرة، أن الإشاعات أدخلت البلاد في البلبلة وفي الفوضى والإثارة قائلة «كل يوم في تونس هناك ثلاثة أو أربعة أخبار مغلوطة في الفايسبوك والمشكل أن الناس يصدِّقون ما يروجه المجهولون ولا يصدِّقون الاخبار الحقيقية». وأضافت «هناك صفحة في الفايسبوك روجت أن النواب رفضوا المصادقة على القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والحال أنني كنت مقرر اللجنة وهناك فيديو يوثق مصادقة جل النواب عليه وكان التصويت مباشرا لكن الناس لا يصدقون ذلك وبالتالي عدم الثقة بين السياسي أو النائب والشارع غذّى الصفحات المشبوهة ويجب على الناس أن يعرفوا أن تلك الصفحات مأجورة ماديا ومن يشتغلون فيها تُدْفع لهم الاموال من الفاسدين». والحل بالنسبة الى صابرين الڤوبنطيني ليس إقرار عقوبات في نص قانوني. فالمسألة فيها تماس مع حرية التعبير. بل إن الحل هو حسن التربية على استخدام الانترنات وإدراج مادة في البرامج التعليمية تُعْنَى بالتربية على الانترنات والمعلومة حتى تتعلم الناشئة كيف تتعامل مع الانترنات وكيف تتعامل مع الاخبار في الانترنات وهذا أمر معمول به في الدول المتقدمة كما أنه من واجب وسائل الاعلام في تونس التحسيس بوجود أخبار زائفة في الانترنات وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي وبالتالي نخلق ثقافة لدى المواطن ضد الإشاعة. وللإشارة نذكر أن أكثر من سبعة ملايين تونسي لديهم حسابات شخصية في مواقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك". هؤلاء يسهل التخاطب معهم مباشرة عبر ترويج صورة او مقطع فيديو او نشر خبر حتى وان كان كاذبا ويدخل في باب الإشاعة.