قضّت جميلة بوحيرد 3 سنوات في السجون الفرنسية متنقّلة من سجن الى آخر حتى انتهى بها الأمر في سجن «فران» قرب العاصمة باريس. حيث تلقّت العلاج بمستشفى المدينة وتحسّنت ظروف إقامتها بالسجن.
كانت الأحداث تسير متسارعة بقضية الجزائر نحو النصر النهائي وهو ما (...)
وضعت قضية جميلة بوحيرد فرنسا في مأزق بعد أن قسّمت الرأي العام فيها بين مؤيدين لإعدامها لضرب حركة التحرير الوطنية في الرأس عبر إعدام رموزها، وبين جموع المثقفين والمفكّرين والحقوقيين الذين يخافون أن تنحرف فرنسا عن تقاليدها الثقافية والحضارية.
وحتى (...)
كان لكلمة جميلة بوحيرد أمام المحكمة والتي أشادت فيها بتقاليد فرنسا الحضارية محذّرة ان يقع دنس هذه التقاليد والتعدي عليها إن سُلّط عليها حكم الاعدام كان لها الاثر البالغ في نفوس الملاحظين الأجانب والصحافة العالمية التي حضرت بكثافة لمتابعة جلسات (...)
تواصلت محاكمة جميلة بوحيرد ثلاثة أيام دون انقطاع وحان وقت اصدار الحكم الذي كان ينتظره المستعمرون المتشددون بفارغ الصبر لإطفاء عطشهم للدم وأحال القاضي الكلمة للسان الدفاع جاك فرجاس الذي دحض كل التهم الموجهة لموكلته ولمّا كان متيقنا ان المحكمة ستصدر (...)
بدأت قضية جميلة بوحيرد تتحول إلى قضية رأي عام عالمي فقررت المحكمة العسكرية الدائمة بالجزائر التعجيل بمحاكمة المتهمة حتى ترضي أولا جموع المستعمرين المتشددين الذين ما انفكت جمعياتهم وصحفهم ولوبياتهم تمارس شتى أنواع الضغوط على العدالة، وحتى تستبق ثانيا (...)
يوم 26 أفريل 1957 أي في أقل من شهر من إيقافها شرع قاضي التحقيق باف واي وا في استجواب جميلة بوحيرد. وقد أصرّ أن يُعجّل تحت ضغط جمعيات المستعمرين بالمرور مباشرة الى إثارة الموضوع الأصلي المتعلق بتورط جميلة في العمليات الإرهابية دون التقيد بالقيام (...)
لم تكن جميلة بوحيرد لتنخدع بعدالة المحكمة الاستعمارية ولم تكن تساورها أية أوهام في هذا المضمار، لكن لم تكن قطعا خائفة وكانت تهيئ نفسها باستمرار، مستعينة بالصلاة والذِّكْر، للموت والشهادة.
وكانت تدرك في الوقت ذاته أن حالة الضعف لم تعد من جانبها بل (...)
وُدعَت جميلة بوحيرد سجن بربوس في انتظار محاكمتها.
في السجن ورغم احساسها العميق بأن محاكمتها غير بعيدة وأنها لن تكون غير مسرحيّة لتبرير حكم الاعدام فيها وفي رفيقاتها، فإنها ضاعفت نشاطها وزادت في حركيتها بهدف بث مشاعر الصمود والثبات في نفوس المناضلين (...)
هناك لحظة دقيقة يحس فيها الانسان الذي يصارع داخل الحلبة ان الانتصار بدأ يلوح ويقترب وان العدو بدأ يتقهقر. وتلك اللحظة أحست بها جميلة يوم زارها في زنزانة الايقاف مجموعة مختلطة من ضباط المظليين من ذوي القبعات الحمراء والقبعات الخضراء لمحت من بينهم وجه (...)
دخل القبطان غرزياني وفريقه المكتبة وهم يضربون الارضية الخشبية بأحذيتهم العسكرية الغليظة محدثين صخبا كبيرا ولكن ذلك لم يؤثر في نفس جميلة التي تعوّدت على مثل هذا «الاخراج» وكانت متهيئة لكل المواقف التي تحاول النيل من صمودها بفضل التدريبات التي تلقتها (...)
الجزائر. لقد تحوّلت الكلمة الى طاقة سحرية لا تنضب في داخل جميلة بوحيرد. فكلما نال منها التعب وبدأ يفتّ من عزمها وكلما حاصرتها التساؤلات وساورها الشك وكلما أحسّت ان جسمها قد بلغ حدّ طاقته... تذكر هذه الكلمة فتنجلي الغمّة فجأة ويمتلئ القلب نورا ويلوح (...)
لاتزال جميلة بوحيرد وحيدة في مكتب المحقق العسكري بعد أن غادره القبطان غرزياني ومساعدوه لم تدر إن كان ذلك للاستراحة وجمع قواهم قبل جولة أخرى من الاستجوابات أم هي خدعة لجعلها تنهار وتعترف.
مهكما كان الأمر فإن غيابهم كان بمثابة المتنفس استرجعت من خلاله (...)
تدفقت صور الذكريات في رأس جميلة وتزاحمت فيه تزاحم أفقدها كل ترتيب زمني وفاحست وهي تعيش الأحداث من جديد وكأنها تحضر عرض فيلم صوّر بالتصوير السريع.
عجيب أن يكون الانسان البطل والمتفرّج في ذات الوقت معا!
كانت الصورة الأجمل والأكثر إثارة للحزن والتي (...)
طال غياب القبطان غزرياني ومرؤسوه عن مكتب التحقيقات وثقل الصمت وكبر إحساس جميلة بالوحشة لكنها سرعان ما استعادت وعيها وجلدها وهي تردد عبارة أمّها بيّة: «ردّ بالك!».
كانت تعلم أن استراحتها لن تدوم طويلا وأن مستجوبيها قادرين على العودة في كل لحظة وأنهم (...)
وجدت جميلة نفسها وحيدة في مكتب مدير التحقيقات العسكرية بعد أن غادره القبطان غرازياني ومرؤوسوه الأربعة دون أن يغلقوا الباب وراءهم. أدركت سريعا أنّها مناورة أخرى لإرباكها ولتضييق الخناق عليها وجعلها في الأخير «تبصق القطعة» كما يقولون، وتعترف. وواعدت (...)
جميلة بوحيرد... لعلّ هذا الإسم لم يعد يعني شيئا كثيرا للشباب من أجيال الهاتف الجوال وال«فايس بوك». بل لعلّه لم يعد يقرع جرس ذاكرة من هم أكبر سنّا من أبناء جيلي، جيل الاستقلال.
ومع ذلك، فإن جميلة بوحيرد كانت وسوف تبقى رمزا للكفاح الجزائري المستميت من (...)