بدأت قضية جميلة بوحيرد تتحول إلى قضية رأي عام عالمي فقررت المحكمة العسكرية الدائمة بالجزائر التعجيل بمحاكمة المتهمة حتى ترضي أولا جموع المستعمرين المتشددين الذين ما انفكت جمعياتهم وصحفهم ولوبياتهم تمارس شتى أنواع الضغوط على العدالة، وحتى تستبق ثانيا انعقاد جلسة الأممالمتحدة في شهر سبتمبر والتي قد تعطي الفرصة لتدويل هذه القضية. ويوم 11 جويلية كشفت المحكمة عن التهم الموجهة لجميلة بوحيرد كما وقع تدوينها في ملف القضية لكن المحكمة لم تسمح لمحامي المتهمة الأستاذ جاك فرجاس بالاطلاع عليه رغم إلحاح المحامي وتهديده بالانسحاب، وجاءت التهم الموجهة لجميلة بوحيرد كالتالي: حيازة متفجرات، ومحاولة القيام بمذابح، والاشتراك في المذابح، والتدمير بواسطة المتفجرات، والمساهمة في تكوين عصابات إجرامية. وتحرّك لسان الدفاع ساعيا إلى تأجيل القضية اعتمادا على تفاهة الملف الذي لم يكن يتضمّن غير أقوال الشرطة وتساجيل محققي ضباط المظليين. لكن المحكمة أصرت على الاحتفاظ بموعد الجلسة وتشبثت بصحية الملف رافضة في الوقت ذاته إضافة ملف التعذيب الذي مورس على المتهمة كما أنها لم تسمح بالكشف عن توقيعها على تقرير الاعترافات مما أكد أنه وقع تزوير توقيعها من طرف المظليين. وأخيرا منعت المحكمة المحامي جاك فرجاس من أخذ الكلمة لشرح الموقف. واتضح للجميع ان هذه الاخلالات إنما هي دليل إضافي على ان الهدف الرئيسي من محاكمة جميلة بوحيرد لا علاقة له بتكريس العدالة واحقاق الحق وانما هي مسرحية محبوكة الأطوار تعود على تحديد فصولها العقل الاستعماري وجنّد لذلك العسكر والقضاة للقضاء على رموز ثورة بدأت شراراتها تتّقد ورقعة نيرانها تمتد إلى كل شبر من أرض الجزائر مهددة بانهاء وجود استعمار غاشم دام أكثر من قرن من الزمن ...كانوا يريدون اعدام جميلة بوحيرد وكان ذلك واضحا. وكانوا يريدون اتمام الأمر سريعا وكان ذلك واضحا أيضا. لأن جميلة امرأة والمرأة حين تكون ثائرة تعسر مقاومتها ليس فقط لأنها أقدر على الصبر والمصابرة والمثابرة ولكن كذلك وخصوصا لأنها الأقدر على اعطاء المثل. فالمرأة الثائرة تحمل سلاحا اضافيا يميزها عن الرجل الثائر وهو سلاح الرمزية، رمزية الحياة التي لا يمكن مقاومتها ولا انهاء ذكراها حتى بعد اعدامها فهي مثل الأرض والبحر والسماء حاضرة كلها مثل الجزائر. انطلقت جلسات المحاكمة وأدخلت جميلة قاعة المحكمة وأوقفت أمام القاضي بافو أيو فنظر إليها من تحت نظارتيه وتلا عليها نص الاتهام بلهجة خافتة وكان يتوقف بين الجملة والأخرى ليتبين ردود فعلها غير أن جميلة كانت كعادتها شامخة مرفوعة الرأس رغم استفزازات المستعمرين الحاضرين في القاعة لها والذين استقبلوها خارجها بشعار: «الموت الموت للفلاقة». وسألها القاضي عن إجابتها حول ما وجّه إليها من تهم فقالت دون تردّد: «أنا جزائرية وليس لكم حق محاكمتي وان أردتم أن تعلموا أنني أتحمل مسؤولية كل أعمالي وأنا مستعدة للموت ومستعدة لحمل السلاح من جديد لو أطلقتم سراحي».