تواصلت محاكمة جميلة بوحيرد ثلاثة أيام دون انقطاع وحان وقت اصدار الحكم الذي كان ينتظره المستعمرون المتشددون بفارغ الصبر لإطفاء عطشهم للدم وأحال القاضي الكلمة للسان الدفاع جاك فرجاس الذي دحض كل التهم الموجهة لموكلته ولمّا كان متيقنا ان المحكمة ستصدر حكم الاعدام على جميلة بوحيرد لامحالة فإنه توجه الى القاضي قائلا: «إنكم ستصدرون اليوم حكمكم بناء على شهادة شخص غير مسؤول. ان السيدة جميلة بوعزّة التي تعتمدها اليوم المحكمة كشاهدة اثبات ضد موكلتي مجنونة، ولقد تحقق الجميع من جنونها وتحققت المحكمة من الامر كذلك». وقبل التصريح بالحكم توجه القاضي وفي حركة متكلسة لحفظ ماء وجه المحكمة والى جميلة طالبا منها ما اذا كان لها ما تريد قوله قبل التصريح بالحكم. عمّ الصمت قاعة المحكمة واستحضرت جميلة بوحيرد في لحظة عابرة خلاصة العشرين سنة من عمرها. لم تكن تخاف الموت وكانت فقط تأسف إن قطعوا رأسها من أن لاترى فجر الجزائر الذي تحسه قريبا يتجسم في الواقع. تذكرت عائلتها ومرّ في خيالها وجه ابيها عمر الذي تعلمت عنه الشجاعة وحبّ الحياة. ورأت وجه أمها بيّة التونسية التي أرضعتها حبّ الثورة من أجل جزائر حرّة ومستقلة. ثم تزاحمت الصور متسارعة في ذاكرتها ورأت مدرستها في حي القصبة ومعلماتها وأساتذتها. لقد تعلمت عنهم الكثير وأحبت بعضهم ولن تنسى فضل من غرسوا فيها حبّ الانسان وقيمة التضحية من أجل كرامته وحريته. لقد كان من المستعمرين الأوروبيين فضلاء كثيرون انتصروا لقضية الجزائر ودفعوا الثمن باهظا. من أجل ذلك لم تكن جميلة بوحيرد تكن كرها لفرنسا وطن ثورة 1789 ملهمة الشعوب المناضلة. وأعاد القاضي سؤاله: «هل لك ما تريدين قوله؟». فأجابت: «نعم لي ما أقول». لما أحست الانتباه والاصغاء من القاعة انطلقت قائلة: «أيها السادة واني أعلم أنكم سوف تحكمون عليّ بالاعدام لأن الذين تخدمونهم متعطشون للدم، ومع هذا فإني بريئة، فلم تحصلوا للحكم عليّ بالاعدام إلا على شهادة فتاة مريضة رفضتم لسبب معروف فحص حالتها العقلية، وعلى تقرير قدمه الشرطيون ورجال المظلات وأخفيتم نسخته الأصلية حتى هذا اليوم الأخير من المحاكمة. نعم اني أحب وطني وأريد أن أراه حرّا ولذلك فإني أتزعم كفاح جبهة التحرير الوطني وهذا هو السبب الحقيقي الوحيد الذي من أجله سوف تحكمون عليّ بالاعدام مثلما قتلتم اخواني بن مهيدي وبومنجل وزدّور. لكني أريد أن أنبهكم.. لا تنسوا أنكم حينما تقتلوننا انما تقتلون شرف بلادكم وتقاليدها التحريرية ولا تنسوا أيضا أنكم رغم قتلنا لم تتمكنوا من منع الجزائر من الفوز باستقلالها ان شاء الله وعمّ سكوت رهيب على قاعة المحكمة.