الجزائر (الشروق) تغرق الساحة الجزائرية في جدل حاد فجرته دعوات أطلقها سياسيون إسلاميون، طمعًا في تدخل العسكر بالشأن السياسي وقيادة مرحلة انتقالية تفضي إلى إجراء انتخابات رئاسية لا يكون فيها عبد العزيز بوتفليقة مترشحا ولا فاعلاً، بينما تعتبر أحزاب الموالاة مبادرة «حركة مجتمع السلم» القريبة من حركة النهضة في تونس، بأنها نداء للانقلاب على الشرعية. وتفاعلاً مع هذه «الرمال المتحركة» في الجزائر، أكد قائد أركان الجيش الشعبي الوطني ، الفريق أحمد قايد صالح، أن «المؤسسة العسكرية لن تستجيب مطلقًا لأي نداءات من أطراف سياسية مهما كان المُبتغى»، للخوض في «التجاذبات السياسية التي تعود مع كل موعد انتخابي». وقال قائد صالح في بيانٍ افتتاحي نشرته «مجلة الجيش» في عددها لشهر أوت، إنّ: «الجيش الجزائري يبقى مؤسسة جمهورية تضطلع بمهامها الدستورية، وهي الدفاع عن حرمة الوطن وأمنه واستقراره، حريص كل الحرص على النأي بنفسه عن كافة الحسابات والحساسيات السياسية». وهذه ثاني مرة تحرصُ فيها وزارة الدفاع الوطني على «رفض» مقترح حزبي بقيادة مرحلة انتقالية تفضي إلى إنهاء حكم الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، بعد 20 عامًا من التربّع على عرش السلطة، وسط تكهنات عن سعي المحيط الرئاسي لترشيحه مرة خامسة. واضطرّ الضابط العسكري البارز، أحمد قايد صالح، قبل أيام إلى كسر صمته والرد على نداء علني وجهته إليه حركة «مجتمع السلم»، التي تستحوذ على أكبر كتلة نيابية معارضة في البرلمان الجزائري، ما حفّز معسكر الموالاة على رفض مطالبات استدعاء الجيش للعب دور معين خلال الانتخابات القادمة. واعتبر الفريق، أحمد قايد صالح، أن مثل تلك النداءات «صارت من السنن غير الحميدة، بل من الغريب وغير المعقول، بل وحتى غير المقبول، إن ذلك يحدث مع اقتراب كل استحقاق انتخابي»، في إشارة إلى انتخابات الرئاسة المقررة في ربيع العام 2019. وحثّ نائب وزير الدفاع الوطني وقائد الأركان الجزائري، قادة الأحزاب السياسية على «الاهتمام بالعمل على كسب ثقة الشعب الجزائري من خلال الاهتمام بانشغالاته الملحة، بدل الابتعاد عن صلب الحنكة السياسية». وأبرز المسؤول البارز أن السياسة تعني في نظر ضباط الجيش: «القدرة على التكيف مع مقتضيات الواقع، والقدرة تعني حسن التعامل مع مقتضيات المصلحة الوطنية، ومتطلبات تحقيقها». ويُعدّ الفريق قايد صالح أبرز وأقوى حلفاء الرئيس الحاكم منذ أفريل 1999، وهو يقود أركان الجيش الوطني الشعبي منذ سنوات ويشغل في الوقت نفسه منصب نائب وزير الدفاع الوطني. وهذان صفتان لم يجمعهما أي جنرال منذ انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيسًا للجزائر في العام 1999، ما يؤشّر على الثقة المتبادلة بين الرجلين خاصة أن قايد صالح يرتدي قبعة حكومية وعسكرية في ظرفٍ ميزه إبعاد جنرالات بارزين من واجهة الأحداث السياسية. وبينما تستعد الجزائر لإجراء انتخابات رئاسية في الربيع المقبل، تخوض أحزاب معارضة مساعٍ سياسية لتحييد، عبد العزيز بوتفليقة، عن السباق الرئاسي لعهدة خامسة، فيما تدفع أحزاب وتنظيمات مدنية ونقابية إلى تمديد فترة حكمه. ولم يعلن بوتفليقة عن قراره في الترشح مجددًا أو الانسحاب من المشهد السياسي، وهو ما أربك المشهد العام في البلاد ونسف أحلام موالين ومعارضين بدخول الانتخابات أو الزهد فيها، ترسيخًا لقناعة سائدة منذ عقدين وهي «نجاح مضمون» للرئيس الحاكم. ومعروف أن عبد العزيز بوتفليقة يواجه منذ أفريل 2013 متاعب صحية عقب إصابته بجلطة دماغية، وهو ما ألّب عليه بعض النشطاء والمعارضين، والذين اطلقوا في السابق دعوات لتفعيل بند دستوري يتعلق بشغور منصب الرئيس، ومبررهم في ذلك أن بوتفليقة لا يمارس نشاطات ميدانية ولا يستقبل رؤساء أجانب ولا يتحرك خارج إقامته أو القصر الرئاسي، بينما رأت الموالاة أن تلك أشبه بدعوات انقلاب وتحريض على جرّ البلاد إلى فوضى ما سمي سابقا بالربيع العربي.