تونس الشروق: تكررت في الفترة الأخيرة إشارة عدد من السياسيين والحقوقيين وغيرهم إلى مسألة «الاستفتاء» وذلك بمناسبة الجدل الحاصل حول تقرير الحريات وحول مبادرة رئيس الجمهورية المتعلقة بالمساواة في الميراث. يتحدث كثيرون منذ مدة عن امكانية اللجوء إلى استفتاء الشعب حول مسألة تقرير لجنة الحريات أو حول مبادرة المساواة في الميراث التي تقدم بها رئيس الجمهورية. غير أن ما يُنبّه إليه خبراء القانون الدستوري هو أن الاستفتاء منظم بالدستور بطريقة حصرية ودقيقة بحيث لا يمكن تطبيقه على كل المجالات وفي كل الحالات وليس على كل مسألة حصل حولها خلاف سياسي أو مجتمعي. التنصيص على الاستفتاء في الدستور ورد في مجالين، الاول يهم الاستفتاء حول تعديل الدستور ( الفصل 144) والثاني يهم موضوع الساعة اي الحريات والمساواة في الميراث ( الفصل 82). وينص الفصل 82 من الدستور على أنه «لرئيس الجمهورية، استثنائيا، خلال أجل الرد، أن يقرر العرض على الاستفتاء مشاريعَ القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات، أو بالحريات وحقوق الإنسان، أو بالأحوال الشخصية، والمصادق عليها من قبل مجلس نواب الشعب. ويعتبر العرض على الاستفتاء تخليّا عن حق الرد. وإذا أفضى الاستفتاء إلى قبول المشروع فإن رئيس الجمهورية يختمه ويأذن بنشره في أجل لا يتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإعلان عن نتائج الاستفتاء..». شروط يتضح من خلال هذا الفصل ان اللجوء الى الاستفتاء ممكن وفق شروط معينة وفي مجالات محددة. أولا: قرار اللجوء إلى الاستفتاء امكانية مُتاحة فقط لرئيس الجمهورية. ثانيا: موضوع الاستفتاء يجب ان يكون مشروع قانون صادق عليه مجلس نواب الشعب. ثالثا: المجالات التي يمكن فيها استفتاء الشعب وهي: الموافقة على المعاهدات – الحريات وحقوق الانسان- الأحوال الشخصية ( مبدئيا تقرير الحريات ومسالة المساواة في الميراث من المجالات التي ينطبق عليها اجراء الاستفتاء). رابعا: قرار رئيس الجمهورية اللجوء الى الاستفتاء يكون فقط خلال آجال «الرّدّ». والمقصود بذلك هو ان الدستور أتاح لرئيس الجمهورية حق ردّ مشاريع القوانين مع التعليل إلى مجلس النواب للتداول ثانية وذلك خلال آجال مضبوطة في الدستور.. ويعتبر اللجوء الى الاستفتاء تخليا من رئيس الجمهورية عن حق الردّ. الاستفتاء سلاح لرئيس الجمهورية يُفهم من الفصل 82 أن الدستور منح لرئيس الجمهورية «سلاحين» ( الردّ أو الاستفتاء) لرفض تمرير القوانين التي صادق عليها البرلمان وصدرت مبادرتها عن أحد الطرفين الآخرين اللذين لهما حق المبادرة التشريعية ( رئيس الحكومة أو النواب). ففي هذه الحالة يرفض ختم القانون وبعد ذلك إمّا ان يستعمل سلاح الرد أو سلاح الاستفتاء. وبالتالي فانه بالنسبة لموضوع تقرير الحريات او موضوع المساواة في الميراث اللذين نادى البعض باستفتاء الشعب فيهما، فانه لا يجب انتظار ذلك، لان رئيس الجمهورية سيكون صاحب المبادرة المقدمة الى البرلمان ولا يمكنه منطقيا استعمال «سلاح» الاستفتاء ضد نفسه. وما سيحصل هو انه إذا صادق البرلمان يمرّ مشروع القانون و إذا لم يُصادق ينتهي الامر عند ذلك الحدّ ويمكن لرئيس الجمهورية في ما بعد اعادة تقديمه بصياغة ثانية معدلة.